نظر ربيع طالب من على المنبر إلى 30 مؤمنا متوترا الذين تجمعوا في الكنيسة الإنجيلية المشيخية في علما الشعب في جنوب لبنان، والتي تقع على بعد أقل من ميل واحد من شمال غرب إسرائيل. قبل ذلك بيوم واحد، قتل إرهابيو حماس 1,200 إسرائيلي معظمهم من المدنيين على بعد 125 ميلا جنوبا على حدود غزة.
في صباح ذلك الأحد، أطلق حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية التي صنفتها حكومة الولايات المتحدة ككيان إرهابي، صواريخ على مزارع شبعا المتنازع عليها التي تحتلها إسرائيل ولكن لبنان تطالب بها. وعندما بدأت إسرائيل حملة القصف الضخمة ضد «حماس» في غزة، قصفت أيضا مواقع «حزب الله» على بعد 35 ميلا شرق علما الشعب.
وقد هربت بعض العائلات على الفور ، بما في ذلك شيخ الكنيسة الذي يقود العبادة ، مما أدى الى ان ترتل الترانيم دون موسيقى. وضغط باقي المصلين على طالب ان تكون الخدمة قصيرة ، اذا ارادوا جميعًا العودة إلى بيوتهم والاستعداد للأسوأ. لكن موضوع العظة – الثاني في سلسلة عن خصائص الإيمان المُصلح – بدا كأنه بتعيين إلهي. واحتاج الامر إلى تعديل قليل فقط لتتم مناقشة الخطيئة الأصلية والمعاناة والألم.
”يسألونني: لماذا نواجه دائما هذه الصعوبات؟“ قال طالب. ”_اننا مؤمنون. فلماذا هناك دائما حرب، حرب، حرب؟” _
وقالت مصادر إن هذا هو النزوح السابع لهم خلال السنوات ال 50 الماضية.
وقال طالب إن علما الشعب، وهي واحدة من حوالي عشر قرى مسيحية بالكامل بالقرب من الحدود الإسرائيلية، يبلغ عدد سكانها على مدار العام حوالي 700 شخص. واليوم لم يبق فيها سوى حوالي 20 شخصا، بمن فيهم الكاهن الماروني الكاثوليكي الذي يقيم الصلوات – التي ترحب الآن بجميع الطوائف – عندما يكون هناك هدوء في القتال.
وغادر طالب وعائلته علما الشعب في 9 أكتوبر/تشرين الأول عندما سقطت قنبلة في حقل على بعد ثلاث دقائق فقط بالسيارة من كنيسته، مما هزّ منزله. وانتقلت معظم العائلات المشيخية البالغ عددها 40 عائلة للإقامة مع الاقارب في بيروت، بينما فرّ آخرون داخل لبنان إلى مدينتي صيدا أو صور التوراتيتين. وافتتح السينودس المحلي، الذي يخدم سبع كنائس مشيخية بالقرب من الحدود مع إسرائيل، مركز مؤتمراته في زحلة تحسبا لمزيد من التصعيد.
وحتى الآن، لم تبق في البلدة سوى ثلاث عائلات.
عاد طالب إلى قريته في منارة، على بعد 115 ميلا شمالا بالقرب من الحدود مع سوريا. لكنه يتشاور كل يوم مع شيوخ الكنيسة حول حالة الرعية المشتتة، ويقوم كل 7-10 أيام لزيارة علما الشعب، إذا سمح العنف بذلك.
وبينما تحتدم الحرب في غزة، حافظت إسرائيل وحزب الله على صراع أقل حدة، وكل منهما حريص على تجنب التصعيد. وتشير التحليلات إلى أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة ثانية، في حين أن حزب الله يشعر بالقلق من تعهد إسرائيل قبل الحرب ”بقصف لبنان وإعادته إلى العصر الحجري” في أي مواجهة.
وقد أخلت إسرائيل بالفعل 42 قرية شمالية بالقرب من الحدود اللبنانية، مما حد من الخسائر الإسرائيلية إلى سبعة جنود وثلاثة مدنيين. وفي الوقت نفسه، قتل ما لا يقل عن 70 مقاتلا من حزب الله إلى جانب ما لا يقل عن 10 مدنيين لبنانيين. وقد نزح ما يقرب من 30,000 لبناني.
”نحن في خضم معركة لا علاقة لنا بها”، قال طالب. يمكننا أن نصرح أن للفلسطينيين الحق في العيش بحرية، ولكن ليس دورنا دعمهم خلال الحرب”.
ويشترك بهذه المشاعر معظم المواطنين اللبنانيين. ووجد استطلاع حديث للرأي أن 74 في المائة يرفضون العبارة القائلة بأن ”حماس هي التي بدأت الحرب واستهدفت المدنيين، لذلك من المشروع أن ترد إسرائيل بشكل مناسب”، حيث يعود الكثيرون بالجدول الزمني للمظالم لما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، يرفض 61 في المائة مشاركة «حزب الله» في الحرب، ويوافق 74 في المائة على أن بلادهم يجب أن تبقى محايدة.
وقد تسبب القتال بالفعل في ”أضرار كبيرة” للزراعة المحلية، حسبما ذكر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان. وأحصت بيانات الأقمار الصناعية 400 حريق في الأراضي الزراعية المحيطة بعلما الشعب، في حين ذكر أستاذ لبناني من جامعة البلمند أن حوالي 1.7 ميل مربع من الغابات الجنوبية قد احترق. وأحصى وزير الزراعة تدمير 40 ألف شجرة زيتون خلال ذروة موسم الحصاد، في حين قدّر وزير البيئة الأضرار بنحو 20 مليون دولار.
وقد بقى أحد اعضاء الكنيسة المشيخية في علما الشعب للمساعدة في مكافحة الحرائق.
”يمكنني أن أتدبر العيش، ولكن ليس ان اعيد بناء ما تم تدميره”، قال مشيخي آخر، وهو أحد شيوخ الكنيسة، طالبا عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله. ”أنا لا ألوم أحدا – أنا لست سياسيا – فقط ضحية”.
قال شيخ الكنيسة إن مزرعته دُمرت مع نحو 10 منازل أخرى في القرية. وقال إن أحد الانفجارات كان من صاروخ اطلقته مجموعة فلسطينية متحالفة مع حماس. هو الآن نازح في بيروت، وهو لا يعرف عدد أشجار الزيتون التي تضررت من ضمن حوالي 100 شجرة زيتون يملكها، ولكن بما أن صاروخا إسرائيليا دمر خزان مياه القرية، فهو يعلم أن الأشجار ستذبل قريبا ومعها 200 شجرة أفوكادو له.
وقال أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت إن الاستصلاح البيئي للأرض قد يستغرق عقودا.
ويلوم شيخ مشيخي ثان مجهول الهوية حزب الله وإسرائيل، وقبل كل شيء نفسه، على بقائه على أرضه منذ الاجيال. وقال إن منزله دمر في الحرب الحدودية السابقة في عام 2006، عندما أطلق مقاتل من حزب الله صواريخ من سطح البيت ، وقامت مروحية اسرائيلية بتدمير كليهما.
وقد تمكن من إعادة البناء بواسطة راتبه الضئيل وقام بتركيب الكاميرات، لذلك فهو يعرف أن منزله، على الأقل، لا يزال قائما. ولكن بعد تسجيل الكاميرات لصورة شابين يحاولان اقتحام بيته – على الأرجح للاختباء من اعين إسرائيل – عاد لفترة وجيزة إلى المنزل وعزز الأقفال.
وتساءل ”ما هو الربح الذي يقدمه هذا لفلسطين؟”. اننا نريد فقط السلام مع اليهود ومع المسلمين ومع الجميع”.
ومع ذلك، فإن اي تعبير عن الرغبة في السلام مع دولة إسرائيل هو موقف خلافي في لبنان. لا تزال هذه الدولة الواقعة على البحر المتوسط تقنيًا في حالة حرب مع ما تسميه غالبا ”الكيان الصهيوني” ، التي اجتاحت في عامي 1978 و 1982 خلال الحرب الأهلية اللبنانية. أما شيخ الكنيسة الثاني، الذي نزح أيضا إلى بيروت، فيعيش في منزل اشتراه في ذلك الوقت لإبعاد أبنائه عن تجنيد إسرائيل للشباب المسيحيين للميليشيات اللبنانية المتحالفة معها.
لم ينته الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الجنوبية الا في عام 2000، عندما انسحبت إسرائيل تحت ضغط المقاومة الناشئة التي قادها حزب الله. وأشاد أمينها العام حسن نصر الله بالقرى الحدودية ”لاحتضانها” ”لمقاتليها الجهاديين” وتحملها عبء النزوح والخسارة.
ولكن إلى جانب المشيخيين ، يعاني الإنجيليون الآخرون أيضا ويقدمون المساعدة.
بلغ عدد سكان قرية دير ميماس المسيحية الصغيرة ، على بعد 25 ميلا شمال شرق علما الشعب ، مرة حوالي 1000 شخص. لكن حرب 2006 خفضت عددهم إلى حوالي 350. اما الآن فبقي حوالي 100 شخص فقط. في جولة الصراع الأخيرة، كان منزل القس المعمداني مارون شماس واحدا من المنازل القليلة التي تعرضت للقصف الإسرائيلي. لكن هذه المرة كان هناك عدد من الاصابات في الأراضي الزراعية المحيطة ، لكن الراعي و 9 من 12 عائلة كنسية انتقلوا إلى مكان آخر.
وقال إنه لا يواجه اية مشاكل مع جيرانه المسلمين. وقال شماس، وهو مدرّس سابق في قرية كفر كلا الشيعية القريبة، إنه ومسيحيين آخرين يحافظون على صداقات بين الأديان ويتفاعلون بحرية مع جميع الطوائف اللبنانية.
”ان الشيعة قرويون. هم أناس عاديون مثلنا”، قال شماس. لكن لم يسألنا أحد عن القيام بحرب في الجنوب، ونحن نلوم الشيطان”.
وقد دخلت كنيسة دير ميماس المعمدانية بالفعل في شراكة مع خدمات إنجيلية محلية لتزويد 40 عائلة من القرية بصناديق الطعام و 20 عائلة أخرى بالاقساط المدرسية. وبالتنسيق مع السلطة البلدية، زادت هورايزونز الآن من دعمها الغذائي المحلي لجميع الباقين تقريبا، في حين تساعد ثمار العائلات النازحة.
وقال شماس: ”هذه ليست المرة الأولى التي نغادر فيها ، وفي كل مرة نعود لمواصلة خدمتنا”. ”الله يريدنا أن نساعد الناس لكي تتعرف عليه.”
وقالت مصادر إن الإنجيليين يتمتعون بسمعة طيبة في الجنوب الذي يهيمن عليه الشيعة، بسبب الاستجابة الإنسانية لخدمة النازحين خلال حرب عام 2006. وقد تم إنشاء Heart for Lebanon (HFL) في ذلك الوقت والذي يستمر في مساعدة اللمسيحيين والمسلمين في المنطقة على حد سواء.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، وزعت هذه الهيئة صناديق غذائية ومواد تنظيف على 340 عائلة في ثمانية مواقع في الجنوب، بما في ذلك علما الشعب ودير ميماس والقرى السنية والشيعية المجاورة. في نوفمبر توسعت إلى 15 موقعا – بما في ذلك المنازل ذات الخلفية الإسلامية للمؤمنين بيسوع.
يسمح لبنان بحرية الدين، وتمنع الخدمة بين الاديان المختلفة اي جدل غير مبرر. ولكن كذلك تفعل رسائل HFL الحصرية- الخدمة فقط.
”اننا نصلي من أجل السلام، ومن أجل أن يضيء مجد الله بين جميع الشعوب”، قال ميلاد نصار، المدير الميداني ل HFL في الجنوب. نحن لا نتحدث بالسياسة”.
لكن العديد من اللبنانيين الآخرين يفعلون ذلك، وكثيرون يشكّون في أن إسرائيل لديها نوايا سيئة تتجاوز حزب الله.
وقد وصلت الهجمات الصاروخية الآن إلى ما يقرب من 30 ميلا في الداخل. وقد تبنت وحدات «حماس» في لبنان، وليس «حزب الله» شن غارات بالقرب من حيفا وعكا ومدن إسرائيلية أخرى داخل الحدود. ومع ذلك، يفترض الكثيرون أنه لا يمكن لأي وحدة أن تعمل بشكل مستقل عن الميليشيا الشيعية.
وقال محلل في الجامعة الأميركية في بيروت: ”في سلسلة الفعل ورد الفعل، أصبح من الصعب معرفة من يبادر الى التصعيد”.
لكن محللون آخرين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى استفزاز حزب الله لتبرير هجوم واسع النطاق ضدها – وربما جذب الولايات المتحدة. وتتمركز مجموعتان من حاملات الطائرات البحرية الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط لردع اي عدوان قد ترعاه إيران. وبحسب ما ورد، حذر وزير الدفاع لويد أوستن نظيره الإسرائيلي من مثل هذا السيناريو. وتنفي إسرائيل وجود هذه النية.
من جانبه، اختار طالب ألا يلوم أحدا، بل ان يتبع بدلا من ذلك ”مثاله الاعلى”، يسوع.
وقال: ”إنها دورة ، لا يمكن لأي طرف تدمير الآخر”. نحتاج إليهم لإيجاد طريقة للعيش في سلام وحتى نتمكن من العيش في سلام”.
ويخبر طالب أبناء رعيته المضطربين أن هذه المعاناة ليست عقاب الله على خطاياهم. وان الصليب يؤكد لهم محبة الله، وهي اختبار يجب الا يحتفظوا به لأنفسهم. لو كان كتّاب الكتاب المقدس قد فعلوا ذلك – ومعظمهم اصلًا عانوا هم أيضا – لما كان في حوزتنا الكتاب المقدس اليوم.
وقال إن دورهم الآن هو التواصل وبناء جسور المحبة والخدمة.
لكن هذا ليس بالأمر السهل. وفي كل رحلة له إلى علما الشعب، يتساءل طالب عن الحكمة في عودته إلى منطقة خطرة. ومع ذلك ، ليس توفير صناديق الطعام هو ما يدفعه – بل هو اختبار الله ، الذي يتوق إلى أن يتمتع به الآخرون.
انه يقضي وقته في البلدة بالصلاة مع الكاهن الماروني والمسيحيين الصامدين ، ويشرب الشاي ، ولولا عائلته المكونة من ثلاثة أطفال صغار ، لربما بقي في القرية. ففي نهاية الامر، يعود تاريخ كنيستة المشيخية إلى عام 1859.
بدلا من ذلك ، يسافر طالب شمالا وجنوبا عبر لبنان ، ويزور القطيع المتناثر.
وقال طالب: ”ان هذا معنى ان تعيش ما نؤمن به – إيمان فعال”. ”يتضمن الامر ان نُظهر للناس أن الله يحبهم ، من خلالنا ، لاجل مجده.”
–