في موسم الأعياد الماضي – مثل العديد من الأعياد التي سبقته – خاطبت ترنيمة عيد الميلاد المفضلة في العالم العربي الحرب والمعاناة.
مع احتفال المسيحيين الأرثوذكس بمرور 12 يوما على عيد الميلاد من 7 إلى 19 كانون الثاني/يناير، كانت كنائسهم في الشرق الأوسط آخر من رتل ”ليلة الميلاد”. كتبت الأغنية في ثمانينيات القرن العشرين خلال الحرب الأهلية في لبنان ، وقد تم تنفيذ الأغنية من قبل المغنيات الكلاسيكيات وقادة التسبيح وجوقات الأطفال على حد سواء. ومنذ ذلك الوقت قدمت هذه الترنيمة التعزية خلال الصراعات الإقليمية، بدءا بالحرب الأهلية السورية إلى حكم داعش الإرهابي إلى الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس في غزة.
ان كلماتها الآسرة تتحدث قليلًا عن طفل في مذود وكثيرًا عن الحياة التي يطلب هذا الطفل أن نعيشها. كما تتحدث عن الحياة التي بجعلها ذلك الطفل ممكنة:
القرار ليلة الميلاد يُمحىَ البُغضُ ليلة الميلاد تزهرُ الأرضُ ليلة الميلاد تُبطلُ الحربُ ليلة الميلاد يَنبِتُ الحُبُ_
العدد 1: _عندما نسقي عَطشانَ كأسَ ماء نكونُ في الميلاد عندما نكسي عُريانَ ثوبَ حُب نكونُ في الميلاد عندمت نُكفكف الدموعَ في العيون نكونُ في الميلاد عندما نَفرِشُ القلوبَ بالرجاء نكونُ في الميلاد _
العدد 2: _ عندما أُقَبِلً رفيقي دونَ غِش أكونُ في الميلاد عندما تموتُ فيً روحُ الانتِقام أكونُ في الميلاد عندما يُرَمِدُ في قلبيَ الجفاء أكونُ في الميلاد عِندما تذوبُ نفسي في كيان الله أكونُ في الميلاد_
ان موسم عيد الميلاد في الشرق الأوسط قد يكون نعمة مزدوجة. يبدأ زمن المجيء قبل شهر واحد من عيد الكاثوليك والبروتستانت في 25 ديسمبر ، بينما تستمر الاحتفالات لأسابيع أخرى حتى احتفال الأرثوذكس في 7 يناير وعيد الغطاس في 19 يناير. لكن هذا الموسم، وكتعاطف مع عيد الميلاد المكتوم في غزة، ألغى مسيحيو الأرض المقدسة احتفالاتهم الجمهورية العامة.
ومع ذلك ، استمروا بالاجتماع لكي يرنموا ويعبدوا في الكنيسة.
في بلدة كفر ياسيف شمال إسرائيل، قامت الكنيسة المعمدانية ”بتقبيل الرفيق” في تحية كنسية بينما قاد فريق التسبيح تقديمًا مبهجا لترنيمة ”ليلة الميلاد”. اما في عمان، الأردن، فقد جمعت خدمة أيتام إنجيلية للاحتفال حوالي 300 طفلًا مسلمًا ومسيحيًا معرضين للخطر، بينما رنمت جوقة المدرسة المعمدانية لهم ذات الترنيمة. وفي أربيل في إقليم كردستان العراق، شملت كنيسة الاتحاد هذه الترنيمة في لقائها البهيج الذي احتوى على تناول الطعام وتبادل الهدايا.
وقال المدير السوري المولد لمحطة ”BeLight FM” اللبنانية إنه كان يعزف ”ليلة الميلاد” مرة واحدة على الأقل يوميا. ووصف مدير مصري لشبكة سات 7 التلفزيونية الفضائية المسيحية الترنيمة انها المفضلة خلال الموسم.
وسألت كريستيانتي توداي عدة قادة إنجيليين في مواقع محتلفة عن تأملهم حول الترنيمة الموسمية:
جورج مكين ، مستشار محتوى للخدمة في SAT-7:
للتعرف على صدى هذه الأغنية لدى المسيحيين العرب، تخيل نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما كانت الكنائس مليئة بالناس الذين احتفلوا بنهاية الحرب على الرغم من الدمار من حولهم. كانوا يعلمون أن المعاناة قد انتهت ويمكنهم توقع إعادة البناء في المستقبل. لكن بالنسبة لنا، نحن ضعفاء ولا نرى أي مخرج من وضعنا. نسأل: يا رب، إلى متى؟ لكننا لا نعتقد أنها ستنتهي في أي وقت قريب.
ولكننا في المسيح، نحتفل على أي حال.
تنقل هذه الأغنية المعنى الحقيقي لعيد الميلاد. هي تذكّرنا بالحقائق القاسية ، وأنه بمجرد أن ندرك هذه الحقائق – نكون في الوقت الذي نكون فيه أكثر وعيا بعيد الميلاد.
هذه المفارقة ليست ما يُسمع عادة في ترانيم عيد الميلاد ، ولكن مثل كل شيء آخر في إيماننا ، فإن ما لا يُصدّق صحيح. ان هذا مناسب لأن قصة عيد الميلاد الأصلية كانت حقيقة صعبة بحد ذاتها. فالصبي الذي أعلنت الملائكة عن ولادته يهرب إلى مصر بينما يذبح الملك الأطفال.
لا أستطيع أن أتذكر وقتا في حياتي كانت فيه المعاناة صعبة لهذا الحد. ولكن إذا كان ما يحصل في غزة زلزالا، فإن الهزات الارتدادية ستكون خطيرة أيضا. ماذا سينتج عن موجة التعصب القادمة؟ ما هو تأثير ذلك على استمرار الضغوط الاقتصادية في مصر ولبنان والسودان؟ وماذا عن الصدمة الجماعية في كل مكان؟
اننا نتوقع المزيد من المعاناة في المستقبل.
لكن العبارة المفضلة لي في الترنيمة هو ”يمحى البغض ، تدفن الحرب”. مات الطفل الذي هرب إلى مصر على الصليب – ولكن بين هذا وذاك ، بشّر بالحب والأمل وقام في النهاية من الموت. اننا نسعى لتقديم هذه الرسالة في برامجنا ، لكن الترنيمة تنقلها بقوة أكبر.
ديفيد الريحاني، رئيس كنيسة جماعات الله في الأردن:
ان عيد الميلاد في الاردن هو عطلة رسمية، وقبل إلغاء الاحتفالات تضامنا مع غزة، تم تزيين الساحات العامة ومراكز التسوق بشكل احتفالي. ولكن حين فُقد هذا، انصبّ التركيز بشكل مباشر على يسوع. وهذه الترنيمة، التي تحظى بشعبية في كل عيد ميلاد ، هي الأكثر شعبية حتى الآن.
رسالتها، أقوى من أي عظة – أو قرار للأمم المتحدة – وهي لم تكن أبدا بهذا الوضوح من قبل.
هذا العام، لم يهتم الأطفال الأردنيون كثيرا بتلقي الهدايا. إنهم يعرفون أن هناك خلل ما في العالم بعدما غمرتهم وسائل الإعلام بالتقارير التي تبحث بامور الحرب طيلة ساعات اليوم. والصور التي يرونها هي لأطفال يحتضرون ومظاهرات غاضبة. ولكن في حين أن الأخبار في الخارج تدور حول المعاناة ، فقد ترددت في أصداء كنائسنا وقاعاتنا اصوات جوقات الشباب التي ترنم بشغف ، مما يدل على اهتمامهم بالحياة والسلام.
لقد ألهموني للتحدث بقوة أكبر للمطالبة بوقف الحرب.
اننا نقول لأولادنا أن هناك السياسة، وهناك الناس. لا يجب أن نكره بعضنا البعض. اننا نمقت الحرب، ولكن يجب أن نستغل هذه الفرصة للتواصل مع اليهود والمسلمين سعيا لتحقيق السلام.
ليس من المفروض أن تكون هناك مشاكل بين العرب والإسرائيليين. فلقد حمت الإمبراطوريات الإسلامية اليهود في الوقت الذي كانوا فيها مضطهدين في أوروبا. اما في فلسطين التاريخية فقد كانوا أصدقاء وجيران. ان هذه الترنيمة تدعو إلى التسامح والسلام وتذكّرنا بأن ”تموت فيّ روح الانتقام”.
كلما تواصلنا أكثر ، كلما قلّ عدد المشاكل التي تواجهنا.
نور بطرس، مديرة راديو برنامج ”بلايت إف إم” في العالم العربي في بيروت، لبنان:
سمعت هذه الترنيمة أثناء نشأتي في سوريا، لكنها لم تلق صدى عندي حتى عيد الميلاد عام 2013، عندما هربت من الحرب وسافرت إلى لبنان. لم أكن أعرف ما إذا كنت سأرى عائلتي مرة أخرى ، لكن قرار الترنيمة – ”يمحى البغض ..تبطل الحرب” – كانت مؤثرة عاطفيا.
كنا في الحرب الأهلية مع واقع معاكس تماما ونقتل بعضنا البعض بكل كراهية. اخذت افكر في موضوع الاحتفال بعيد الميلاد بعيدا عن اهلي ولكن انتابني أمل ان تتاح لنا الفرصة في عيد الميلاد لنحب بعضنا البعض ، تماما كما يحبنا الله. وحتى الآن، وبعد 13 عاما من الحرب في بلدي، لا تزال أي أغنية او ترنيمة عن السلام تلمس قلبي.
ما فتئت سوريا تتوق إلى الحب والسلام.
بعد عدة سنوات في BeLight ، وأثناء تصويرنا مقطع فيديو لهذه الأغنية شاهدت كيف غناها أطفال ذوي احتياجات خاصة. لم تكن أصواتهم مثل أصوات المغنين العرب الكلاسيكيين. لكنها مرة أخرى لمستني ، كما يقول المقطع ”عندما يُرَمِدُ في قلبيَ الجفاء أكونُ في الميلاد”
كمؤمن ، يذكّرني التأمل في هذه الأغنية بما حدث في هذا العيد. يجب على كل شخص أن يفهم رسالته ، لماذا ولد يسوع ولماذا يبقى معنا اليوم. حتى في الحرب ، سيعطينا هذا ذلك الأمل الذي نحتاجه.
ملاذ بيثون، راعي كنيسة الاتحاد في أربيل، إقليم كردستان العراق:
هذه ترنيمة عجيبة ، مع لحن جميل. إنها تمثل بداية جديدة – شجرة جديدة ، وملابس جديدة نستلمها كهدايا ، وقبل كل شيء ، قلب جديد. لقد جلب الطفل يسوع لهذا العالم محبة الله، وكعراقيين نغنيها في عيد الميلاد لتساعدنا في تغيير مزاجنا.
وذلك لأن هذه الأغنية لا تمثل الواقع على الإطلاق.
فالواقع هو عكس ذلك تماما. إسرائيل وغزة في حالة حرب. روسيا وأوكرانيا في حالة حرب. المشاكل الاقتصادية في كل مكان. وهنا في كردستان، هناك توترات مستمرة بين مجموعات مختلفة من الناس. إنه ليس تأكيدا لما يحدث بالفعل في عيد الميلاد.
ولكن إذا رنمنا هذه الأغنية كصلاة ، فإنها تصبخ فعالة. يمكن أن تكون صحيحة في علاقاتنا الشخصية والعائلية في الأسرة. يمكن ايضًا أن تكون صحيحة في كنائسنا. اننا نرغب بأن يكون هذا الموسم مليئا بالحب ، ولكن إذا كنت لا تعرف يسوع ، فأنت ستنجذب إلى الحرب والكراهية.
يمكن أن تكون الترنيمة حقيقة وواقع في قلوبنا ولا يسعنا الا أن نصلي أن تكون صحيحة عند شعوبنا.
رلى منصور، مؤسسة ومديرة مركز الناصرة لدراسات السلام وأستاذة مشاركة في كلية الناصرة الإنجيلية، إسرائيل:
لقد جعل مركزنا هذا الاحجام – ”يمحى البغض ، تزهر الأرض ، تدفن الحرب ، يولد الحب ” – شعارنا لعيد الميلاد ، اذ يذكرنا بأن الحب ، المولود من رحم الظلام ، يتجاوز الحدود بقوة الخلق والفداء.
من خلال أعمال الرحمة والتحرير والشفاء المعبر عنها في هذه الترنيمة، يكون تقديم الماء للعطشان والكساء للعراة ومسح دموع أولئك الذين يبكون – يهدف الله إلى تحقيق استعادة كرامة الإنسان. وتعكس الكنيسة، وهي مجتمع الرب للتغيير، علامات الملكوت هذه في مواجهة الهياكل القمعية، كدليل على عالم الله الجديد.
في الرجاء، ننظر إلى ما وراء المصاعب ونثق في صلاح الله وسيادته الكاملة على المأساة والظلم. حتى لو لم نتمكن من رؤية النتائج الآن، فإن الله سيكمل عملنا غير المكتمل وغير الكامل، ويحقق العدالة ويصحح كل الأخطاء في وقته.
اننا نرى كيف ”تدفن الحرب” من خلال عيون إيماننا.
وبعد ذلك، وكأتباع لصانع السلام وكشركاء نعمل مع الله، نهدم بجد الجدران التي تفصل بيننا، نقاوم الشر بالخير والكراهية بالمحبة، لنمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقا. ولكن عندما ”تذوب نفوسنا في كيان الله” ، كما تقول الترنيمة ، فإن حبه يبعدنا عن الإقصاء إلى احتضان الآخر ، ويحوّل العدو إلى صديق.
عندها فقط يمكننا أن نصبح منارات للرجاء، وننقل حضور الله لجلب الشفاء والراحة والعدالة والسلام والإسترداد – إلى الأماكن والظروف وحياة اناس واللواتي نلمسها. وهذا العام على وجه الخصوص ، تعلن هذه الترنيمة ، وكأنها اغنية نبوية ، قوة عيد الميلاد المغيرة – مع دعوة للعمل على ”دفن الحرب”.