قامت كاي، زوجة سليم منيّر، مباشرة قبل شروق الشمس في 7 تشرين اول (اكتوبر) 2023 بهزّ زوجها موقظة اياه في شقتهما في القدس. كان هاتفه المحمول يكاد ينفجر من كثرة الاشعارات.
وقالت له كاي: "ان الواتس اب يكاد يصاب بالجنون".
مدّ سليم يده الى هاتفه. فوجد ان عائلته الواسعة ترسل تبليغات قلقة عن سماع صفارات الإنذار من الغارات الجوية ، وهو أمر شائع في إسرائيل وغالبا ما يكون قصير الأجل. لكن هذه المرة ، كانت أجهزة الإنذار مستمرة في الاطلاق.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى عرف ما يحدث: كان مقاتلو حماس من غزة يطلقون آلاف الصواريخ على إسرائيل. وفي الميدان، اخترقوا الحدود وكانوا يذبحون مئات المدنيين. تبين ان سليم منيّر قد استيقظ على اكثر الهجومات الإرهابية الدموية في تاريخ بلاده.
فقفز من سريره وركض لإيقاظ أبنائه.
يتذكر دانيال منيّر، وهو الابن الثاني لسليم، أن والده اقتحم غرفته وصرخ: "دانيال، انها تحدث"، مضيفا: "إنها حرب".
أمسك دانيال برأسه. ”يا رب ارحم. يا رب ارحم"
سليم (البالغ 68 عاما) هو مؤسس هيئة "مصالحة"، وهي جمعية لصنع السلام مبنية على الايمان وتعمل على استرداد العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين باستخدام ما تقول إنها مبادئ كتابية للمصالحة. دانيال ،البالغ 32 عاما، هو المدير التنفيذي للجمعية.
تأسست "صالحة" في عام 1990 ، وهي أقدم وأشهر منظمة مسيحية لصنع السلام في إسرائيل وفلسطين. اسمها يعني "المصالحة" باللغة العربية، ولأكثر من ثلاثة عقود كان نهجها المؤسس على الايمان هو ما يميّزها عن مجموعات بناء السلام العلمانية.
لم يُصدم أي من ابناء منيّر من مهاجمة حماس لإسرائيل، على الرغم من أنهم لم يتوقعوا أبدا مدى تركيب ووحشية الهجوم الذي ادى لمقتل حوالي 1,200 إسرائيلي أو الدمار الذي خلّفه الرد العسكري الإسرائيلي الذي قتل أكثر من 30,000 شخص في غزة، وكثير منهم من النساء والأطفال. لسنوات، كان سليم يحذر: "نحن نعيش في وضع راهن عنيف. إذا كنت لا تعمل من أجل السلام كل يوم، فإن ثمن الحرب سيكون باهظا".
قبل عام، وفي مقال افتتاحي موجه إلى المسيحيين، كتب دانيال في صحيفة جيروزاليم بوست: "لا تنخدعوا بوقف إطلاق النار. إن مكونات جولة اخرى من العنف موجودة دائما. إنها مسألة وقت فقط".
ولكن الناس أغلقت آذانها. وحتى كاي سئمت من سماع نفس التحذيرات مرارا وتكرارا. وقد قالت لسليم:"أنت تقول باستمرار إن الوضع غير مستدام ، لكن الأحوال لا تزال غير متغيرة".
بدلا من ذلك، كانت الأمور تزداد سوءا: كانت الحكومة الإسرائيلية تتحول أكثر نحو اليمين المتشدد. البلاد منقسمة حول سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بذات الوقت كانت إسرائيل تعمل على تعزيز العلاقات مع عدد متزايد من البلدان العربية. كان من الواضح أن الاحتياجات والمطالب الفلسطينية آخذت في الهبوط في لائحة أولويات إسرائيل.
وقد دفع السابع من تشرين اول (أكتوبر) العديد من الإسرائيليين اكثر بعدًا عن صنع السلام. ومع ذلك، يرى ابناء منيّر أن عمل مصالحة أكثر أهمية من أي وقت مضى. والدليل موجود في الأنقاض، كما يقولون: إن صنع السلام والمصالحة ليسا مهمين فحسب؛ بل إنهما جوهريان. لكن "مصالحة" تدعو إلى السلام والمصالحة منذ أكثر من 30 عاما. هل يمكن أن تقدم هي شيئا الآن – في وقت وصلت العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين الى اسوأ حال من أي وقت مضى، ولقد اصبح مصطلح المصالحة كلمة قذرة بالنسبة للكثيرين من كلا الجانبين – هل ممكن ان تقدم ما لم تقدمه في الماضي؟ هل جهود مثل جهود "مصالحة" لم تعد ذات صلة؟
قضيت أسبوعا في إسرائيل والضفة الغربية ألتقي بالمسيحيين الفلسطينيين واليهود المسيحيين ومنهم االقساوسة وقادة شباب وقادة جمعية الشبان المسيحيين والمرشدين السياحيين والمحامين والطلاب. كثير منهم ليسوا نشطاء سلام محترفين ، لكنهم جميعا ، مما وجدته ، يأخذون موعظة يسوع على الجبل على محمل الجد ويسعون جاهدين لتجسيد إعلانه "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9).
المشكلة هي أنني تحدثت إلى حوالي دزينتين من الاشخاص حول ما يعنيه صنع السلام وحصلت على ما يقرب من دزينتين من الاجابات المختلفة. هذه هي المعضلة الإسرائيلية – الفلسطينية: بشكل عام، بالنسبة لليهود، "السلام" يعني أمن إسرائيل وحمايتها الدائمة. وهذا يعني سحق حماس، حتى على حساب الخسائر البشرية الكبيرة. بالنسبة للفلسطينيين، "السلام" يعني استعادة الأرض والكرامة التي فقدوها بعد تأسيس دولة إسرائيل. وهذا يعني النضال من أجل المساواة في الحقوق والحريات، والتي تشمل بالنسبة للكثيرين دعم حماس، حتى على حساب خسائر بشرية كبيرة.
وحتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان هذان المعسكران يعارضان بعضهما البعض بشكل متزايد. إنها حقيقة تطارد قادة "مصالحة" منذ فترة طويلة. كيف يمكنك البحث عن السلام إذا كنت لا تعرف حتى كيف يبدو؟
اختار سليم منيّر قاعدتين أثناء نشأته في مدينة اللد القديمة: لا تنس تاريخك. لكن لا تتحدث عنه. "كان هذا بيتي"، كان والده يقول له، مشيرا إلى مبنى البلدية. "هذا هو المكان الذي اعتدنا فيه زراعة أشجار الزيتون والبرتقال". وحذره والده ان يحافظ على صمته. "من البيت إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت. لا تكلم احد".
كانت اللد، التي تحوي اليوم مطار بن غوريون الدولي، ولعدة قرون مدينة ذات أغلبية عربية – حتى عام 1948، عندما احتلتها القوات الإسرائيلية وطردت معظم العرب. كان والد سليم من بين حوالي 200 مسيحي محلي تمكنوا من البقاء من خلال اللجوء إلى الكنيسة، لكنه فقد منزله وأراضيه الزراعية. بحلول الوقت الذي ولد فيه سليم في عام 1955 ، كان سكان اللد حوالي 30 في المائة من العرب. أما الباقون فكان معظمهم من المهاجرين اليهود الذين طُردوا من الدول العربية.
تعلم سليم في المدرسة التاريخ الوطني من خلال عدسة صهيونية، وهي وجهة نظر بدأ التشكيك فيها في المدرسة الثانوية. ذات مرة، كرر أحد المعلمين ما كان يتعلمه سليم دائما – أن اليهود جاءوا وأنشأوا حديقة في الصحراء القاحلة، وأن العرب غادروا البلاد على الرغم من أن اليهود حاولوا إقناعهم بالبقاء – وفاجابه سليم.
قال: "انظر من النافذة". "هل ترى تلك البساتين من البرتقال؟ هذه كانت لعائلتنا. هل ترى تلك الكنيسة؟ تلك المنازل؟ لقد كانوا تابعين للفلسطينيين".
في تلك الأثناء، ذاق سليم مبكرا شكل ما تبدو عليه الوحدة. في السبعينيات، حضر سليم اجتماع لدراسة الكتاب المقدس في منزل عمه اشتمل فلسطينيين ويهود. كان كثير من اليهود يأتون لمعرفة يسوع في ذلك الوقت ، وبما أن سليم كان يتحدث العبرية بطلاقة ، فقد قاد دراسة الكتاب المقدس لهؤلاء المؤمنين من اليهود الشباب. ونمت المجموعة من عدد قليل من المؤمنين إلى مائة. وقد شكلت التجربة سليم فذهب لدراسة اللاهوت في كلية فولر للاهوت في كاليفورنيا، ثم عاد إلى إسرائيل في عام 1985.
وبعد مرور عام، بدأ سليم التدريس في كلية بيت لحم للكتاب المقدس في بيت لحم في الضفة الغربية. كانت تلك هي المرة الأولى التي يشهد فيها سليم حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال. ويستذكر ذلك فيقول:"كنت في حالة صدمة". ورأى أفرادا من جيش الدفاع الإسرائيلي يضربون الفلسطينيين، ويجبرونهم على الوقوف تحت المطر، ويذلّون الآباء أمام أطفالهم. رأى أصدقاءه الإسرائيليين – نفس الأشخاص الدافئين الذين كان يقضي الوقت معهم في الجامعة – يتحولون إلى معتدين لا يمكن التعرف عليهم في زيهم الاخضر الزيتي اللون.
وبدأت الانتفاضة الأولى، التي تعني "نفض نفسه" باللغة العربية، في عام 1987 واستمرت ست سنوات. واحتج الفلسطينيون فيها بشكل أساسي على الاحتلال الإسرائيلي من خلال المقاطعة الجماعية والحواجز والعصيان المدني، لكن الكثيرين لجأوا أيضا إلى العنف مثل إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف.
وطرح طلاب سليم في بيت لحم عليه أسئلة تجاوزت تعليمه اللاهوتي: "هل يجب أن ننضم إلى المظاهرات؟" هل يمكننا إلقاء الحجارة على الجنود؟" "سرق المستوطنون اليهود أرض عائلتي، قائلين إن الله أعطاهم تلك الأرض. ماذا يقول الكتاب المقدس في الواقع عن ذلك؟"
وفي الوقت نفسه، كان سليم يعلّم أيضا الطلاب الإسرائيليين اليهود في مركز لدراسة الكتاب المقدس في تل أبيب-يافا وهؤلاء صارعوا مع مسالة هويتهم الخاصة: "كيف يمكننا أن نكون يهودا ونؤمن بيسوع؟ "كيف يمكننا أن نسمي أنفسنا مسيحيين عندما اضطهد المسيحيون شعبنا لعدة قرون؟" اعتقد سليم أنه سيكون من المفيد لطلابه اليهود والفلسطينيين أن يستمعوا إلى صراعات الهوية عند كل منهما، لذلك نظم اجتماعًا بينهم في عام 1990.
قال سليم:"كان الاجتماع كارثي. على الفور تقريبا ، اخذ الطلاب يصرخون على بعضهم البعض. لم يتمكن أي من الجانبين من الاتفاق على اللغة التي يجب استخدامها لوصف الأحداث الجارية. هل كان ذلك احتلالا؟ مقاومه؟ إرهاب؟ وحين تحدثنا في اللاهوت – عن ماذا يقوله الكتاب المقدس عن أرض إسرائيل؟ – زاد الأمور سوءا. وفشل الحوار. كان الأمر كما لو كان الجانبان يقرآن أناجيل مختلفة تماما وكانوا غير قادرين على الوصول إلى سرد مشترك.
وظن سليم في نفسه-ربما يكون عقد لاجتماع للخدام اكثر حظًا. وهكذا دعا 14 قسيسًا – سبعة من اليهود وسبعة من الفلسطينيين – إلى كنيسة في القدس لمناقشة الأحداث الجارية. وقال لي سليم: "لقد كان ذلك حتى اسوأ" وأزعج ذلك سليم. وتساءل : ألا يمكن لجسد المسيح أن يجد هدفًا مشتركا في هذه المسألة؟
في ذلك الوقت، شعر صديق التقى به سليم في مركز الكتاب المقدس أيضا نفس التثقل حول الصراع النامي بين المؤمنين الفلسطينيين واليهود. ان إيفان توماس هو يهودي مسيحي من نيوزيلندا هاجر مع زوجته إلى إسرائيل في عام 1983 لدعم المجتمع اليهودي المسيحي الناشئ في البلاد.
قبل الانتفاضة الأولى، كان اليهود والعرب يعبدون احيانًا معا. لكن وصلت الامور انه كما لو أن الصراع قد رفع البساط ونثر كل الأوساخ من تحته. قال توماس: "كنا نواجه أولاد بعضنا البعض في جبهة القتال". كان الفلسطينيون غاضبين من انضمام إخوانهم المؤمنين إلى جيش الدفاع الإسرائيلي وحمل السلاح ضد شعبهم. من جهة اخرى، لم يستطع اليهود أن يفهموا كيف يمكن لإخوانهم المؤمنين أن يدعموا الانتفاضة التي اعتبروها معادية في عنفها لإسرائيل.
في أحد الأيام بعد انتهاء الحصة ، اقترب سليم من توماس. وقال: "أنا قلق على جسد المسيح". كانت الجماعات العلمانية تتحدث عن اتفاقات السلام وحل النزاعات، لكن لا أحد يتحدث عن المصالحة. كان المسيحيون مهتمين بالخلاص ، لكن القليل منهم كانوا يعالجون القضايا الحرجة التي فرقتهم. واقترح سليم تشكيل هيئة مبنية على الايمان لمخاطبة الأمرين. هل سينضم إليه توماس؟
"يجب أن نفعل ذلك" ، أجاب توماس. "يجب أن نبدأ على الفور".
اتصل سليم بشخص يهودي مسيحي آخر كان يعرفه منذ المدرسة الثانوية، وهي امرأة تدعى ليسا لودين هاجرت إلى إسرائيل من الولايات المتحدة مع زوجها في عام 1974 بعد أن شعرت بقناعة قوية بأنها ”نور وشاهدة”.
قبل أن يتصل سليم بها، كانت لودن قد تألمت بالفعل بسبب عدم المساواة التي رأتها بين الفلسطينيين واليهود. ورأت الاختلافات في ميزانيات البلديات العربية واليهودية في إسرائيل. ورأت تمييزا في العمل ضد الفلسطينيين الإسرائيليين. كما سمعت ما قاله بعض اليهود عن الفلسطينيين – أنهم قذرون وغير متحضرين وغير جديرين بالثقة.
ثم التقت ببعض المسيحيين من الضفة الغربية. سألها شاب فلسطيني بصراحة: ”لماذا جئت إلى أرضنا ؟”
وقد قاد ذلك لودن في رحلة بحثية مقلقة إلى النكبة – الاسم العربي للكارثة- وهو الاسم الذي أطلق على تجريد العرب العنيف من ممتلكاتهم وتهجيرهم من فلسطين خلال حرب عام 1948. لذلك عندما سألها سليم عما إذا كانت على استعداد للانضمام إليه وبدء برنامج مصالحة للنساء، قالت نعم على الفور. وهي تستذكر ذلك قائلة: "لقد كانت تلك استجابة للصلاة".
منذ البداية، كان "مصالحة" تعاونًا متعمدًا بين المؤمنين الفلسطينيين واليهود. كان التحدي الأول هو الجمع بين اليهود والفلسطينيين دون إثارة معارك شفوية. كانوا بحاجة إلى شيء خلّاق، شيء لفصل الناس عن الصراع وإجبارهم على رؤية بعضهم البعض كبشر ضعفاء.
قال سليم: "من باب اليأس ، كان علينا أن نفعل شيئا جذريًا". لذلك ابتكروا مغامرة خلوة وأخذوا المشاركين الأوائل إلى الصحراء على الجمال. وهناك وبينما كانوا محاطين بظروف صعبة ورمال ، بدا أن "لقاء الصحراء" ناجح. وكان اليهود والفلسطينيون يجتمعون لمدة اربعة ايام حول نار المخيم ويتحدثون عن إيمانهم وعائلاتهم ويشاركون قصصهم. وتشاركوا بالخيام تحت قبة السماء االتي رصعت بالماس. كانوا يتنزهون ويصلّون في الكثبان الرملية. وايضاً يستمعون بصعوبة لألم بعضهم البعض.
وقال سليم: "الصحراء مكان محايد". "لقد زال اختلال توازن القوى في الصحراء. لقد تدمر هناك مفهوم "نحن" و "هم".
وكان من المفترض أن اللقاءات الصحراوية، التي استمرت لعقود على الرغم من توقفها خلال الحرب، مجرد بداية. لا ترى جمعية مصالحة المصالحة كحدث لمرة واحدة بل كعملية تدريجية ومستمرة. بعد لقاء الصحراء – الذي يسميه القادة مرحلة ”الهللويا والحمص” – تم تشجيع المشاركين على فتح قلبهم بخصوص خلافاتهم خلال ورشات العمل والندوات والرحلات. إنهم يفرّغون مظالمهم في اجتماعات وجها لوجه. انهم يناقشون الهوية ، ويسعون إلى ان يفهموا كيف ينظر كل إلى نفسه. كما يؤكدون تميّز الآخرين ، ويؤكدون القيمة المتساوية للجميع كأعضاء في جسد المسيح. كما يمكن للمشاركين الذين يرغبون بذلك ان بذهبوا إلى اعمق من ذلك ، عن طريق التحليل النقدي والاعتراف بالدور الشخصي في الظلم ومتابعة عمل المصالحة .
في زمن تأسيسها ، كان يعتبر هذا توجها مبتكرًا جديدًا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهكذا كان العقد الأول من حياة هيئة مصالحة مليئا بالحماس والتفاؤل. أثارت عملية أوسلو للسلام في تسعينيات القرن العشرين الآمال في أن الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يتعايشوا بسلام في يوم من الأيام ، وخرجت فقاعات من المشاعر الطيبة في اجتماعات مصالحة أن المسيح يمكن أن يجسّر خلافاتهم.
ولد دانيال منيّر في تلك السنوات. وهو يتذكر أن والده حوّل قبو شقتهم الصغيرة إلى مكتب مؤقت به مكتبان وأريكة، واخذ يتقوقع هناك، ويبحث ويكتب المناهج الدراسية ويستعد للمؤتمرات. وكانت والدته تسكّت الأولاد عندما كانوا يصخبون.
ومع ذلك، وفي العقد الثاني من حياة مصالحة، انفجرت الفقاعة. فقد فشلت المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. واندلعت الانتفاضة الثانية، وهي انتفاضة إسلامية وأكثر دموية، في عام 2000، مما أسفر عن مقتل أكثر من 3000 فلسطيني و 1000 إسرائيلي. ورأى الاغلب أنه وأد أيضا إمكانية حل الدولتين بوجود فلسطين المستقلة.
في أوائل عام 2000 ، بدأت إسرائيل في بناء ما اصبح الآن جدار باطون طوله 440 ميلا من الأسلاك الشائكة في الضفة الغربية ، مما أدى إلى فصل فعلي بين الشعبين. واعتبره الإسرائيليون إجراء أمنيًا ضروريًا. اما الفلسطينيون فرأوا فيه فصلًا عنصريًا واغتصابًا غير قانوني لجزء من أراضيهم. (وتم بناء الجدار على بعد 11 ميلا خارج الخط الأخضر، وهو حدود معترف بها دوليا بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية).
وهكذا أصبح دانيال مدركًا تمامًا لهويته على أنه "الآخر". كفلسطيني إسرائيلي، فانه من ألاقلية. وكمسيحي ، هو أقلية مزدوجة. التحق دانيال وإخوته الثلاثة بمدارس يهودية حيث كانوا الفلسطينيين الوحيدين فيها. ومع ذلك، كان أبناء اعمامهم العرب ينظرون إليهم على أنهم "أبناء العم البيض الذين يتكلمون الإنجليزية"، لأن والدتهم بريطانية. اما حين سافروا إلى إنجلترا ، فقد برزت ملامحهم الغامقة.
كما شعر الأخوان منيّر بالإقصاء من قبل المجتمع الدولي للمؤمنين. وقال دانيال إن المسيحيين الذين زاروا الأرضي المقدسة بدوا اكثر اهتمامًا بالتعامل مع "الشعب المختار" من اهتمامهم بهم.
في هذه الأثناء، سمع الإخوة ما يقوله اليهود عن الفلسطينيين، وما يقوله الفلسطينيون عن اليهود، وما يقوله المسيحيون خارج البلاد عن أرض الميعاد. من عدة نواحي ، كان الأشقاء أطفالا تقليديين لمؤسس هيئة، حيث قاموا بتقييم خدمة والديهم كمشاركين وكمراقبين متداخلين في ثقافات متعددة. عندما كانوا شبابًا ، تبادل الاخوة في كثير من الأحيان أفكارًا من الأدبيات التي كانوا يقرؤونها: لاهوت التحرير كما بحثه وطوره جيمس كون وغوستافو جوتيريز ونعيم عتيق والكولونولية الاستيطانية كما تم تحليلها من قبل باحثين مثل إدوارد سعيد ومحمود ممداني وفرانتز فانون.
ما قرأوه لمس وترًا حساسًا من تجربتهم التي نشأوا فيها كمسيحيين فلسطينيين إسرائيليين. فقاموا بمناقشة هذه الموضوعات بقوة اثناء تناول العشاء وأثناء ركوب السيارة وأثناء احتساء الويسكي مع والدهم. كما ضغطوا على سليم بطرح أسئلة صعبة: "كيف يتلاءم التحرير والعدالة مع المصالحة؟" "كيف نتصالح مع جيراننا ، عندما يضعوننا في نظام يضطهدنا ويجردنا من إنسانيتنا؟"
ومع تدهور العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كان هناك شرخ متزايد أيضا داخل مصالحة، وهو أمر لا يزال يعتبر نقطة حساسة لسليم ودانيال. خلال العقد الماضي، فقدت الهيئة حظوتها لدى معظم اليهود المسيحيين.
فيما عدا مخيمها الصيفي السنوي للاولاد، لم يتبق لمصالحة أي مشاركين يهود مسيحيين. بحسب ابناء عائلة منيّر- حدث ذلك لأن الهيئة لا تروّج للسياسة واللاهوت الصهيوني. ويقول توماس وهو قس يهودي مسيحي الذي خدم في مجلس إدارة هيئة مصالحة لمدة 29 عاما، إن الثقة تآكلت مع انخراط الهيئة في المسيح عند الحاجز (CATC)، وهو مؤتمر يقام كل سنتين تعقده كلية بيت لحم للكتاب المقدس.
تم عقد أول مؤتمر "المسيح على الحاجز" في عام 2010 باعتباره "فرصة للمسيحيين الإنجيليين للسعي بروح الصلاة إلى الوعي المناسب لقضايا السلام والعدالة والمصالحة"، وفقا لموقع المؤتمر. كما أنها تنتقد بشدة الصهيونية المسيحية.
رأى معظم اليهود المسيحيين أن هذا المؤتمر ليست مضلل فحسب ، بل معاديًا للسامية بشكل خطير. واتهموا مؤتمر المسيح على الحاجز بالترويج لمتحدثين يتبنون لاهوت الاستبدال (فكرة أن الكنيسة حلّت محل إسرائيل في عهد الله وخططه) مثل سامي عوض، المدير التنفيذي لصندوق الأرض المقدسة، ومتري الراهب، مؤسس ورئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم. ووصفتOne for Israel وهي إحدى الخدمات الإعلامية التابعة لكلية اسرائيل للكتاب المقدس، مؤتمر المسيح على الحاجز بأنه "برنامج سياسي فلسطيني متحيز من جانب واحد ومعاد لإسرائيل" وهو "يروج لتدمير الدولة اليهودية في أرض إسرائيل”.
في عام 2012، أصدرت الجماعات المسيحية اليهودية في جميع أنحاء العالم بيانا مشتركا ينتقد مؤتمر المسيح على الحاجز: "نحن ندرك ونشعر بقلق عميق إزاء نضال المسيحيين الفلسطينيين. ما نعترض عليه هو مؤتمر مؤيد للفلسطينيين ومعاد لإسرائيل بشكل صريح، يسعى إلى الترويج لنفسه كمؤتمر للسلام والمصالحة" وخلص البيان إلى أن أي جهد للسلام والمصالحة بين اليهود وغير اليهود "يجب أن يدرك أن عطايا الله ودعوته تجاه شعبنا اليهودي لا رجعة فيها ولا تزال سارية حتى اليوم".
ودعت لجنة المؤتمر مصالحة للتكلم في المؤتمر عن المصالحة. وقبل ذلك كل من سليم وتوماس ، على الرغم من أن توماس تلقى لاحقا انتقادات شديدة – حتى تهديدات بالقتل – بسبب ذلك. لكن في ذلك الوقت ، شعر توماس بأنه ملزم بالحضور. "كيف أستطيع الا أن أكون هناك؟" قال. ”أنا متحدث رئيسي بموضوع المصالحة. هذا هو نوع المكان الذي يجب أن أتحدث فيه".
لكن بالنظر إلى الوراء ، يصف توماس قراره بالتحدث في مؤتمر المسيح على الحاجز بأنه "خطأ فادح". ويقول الآن إن مشاركة مصالحة فيه كانت "لحظة فاصلة" و"غضبًا مطلقا وإهانة للمجتمع المسيحي اليهودي بأكمله". بمجرد أن فقدت مصالحة مصداقية اليهود المسيحيين، "فقدنا أحد أهم شركائنا".
كانت لودين أيضا عضوا في مجلس إدارة مصالحة لمدة 29 عاما حتى استقالتها في عام 2019. على مر السنين، رأت النساء في مصالحة يبنين الصداقات. لأول مرة، تعلمت العديد من النساء اليهوديات عن النكبة، وتعلمت العديد من النساء الفلسطينيات عن المحرقة واليهود الذين فرّوا إلى إسرائيل بعد أن أغلقت العديد من الدول أبوابها.
لكن بعض النساء اليهوديات جئن أيضا إلى لودين محبطات. "اننا نُعتَبر مذنبين دائمًا هنا" قالوا لها. ”نحن دائما من نطلب المغفرة”. ماذا عن كل التفجيرات الانتحارية الفلسطينية والهجومات الصاروخية؟ سألوها.
وتقول لودن:"لقد شعرن أنه لا يوجد شعور متبادل بأن كلا الشعبين قد عانى" وهكا انسحبت العديد من النساء اليهوديات من البرنامج.
اليوم، يتكون معظم المشاركين في برامج مصالحة من اليهود الإسرائيليين العلمانيين والمسلمين الفلسطينيين والمسيحيين الفلسطينيين. واخبرني ابناء منيّر أن مصالحة ترغب بالعمل مع اليهود المسيحيين، لكن الشعور ليس متبادلا. وإذا كان لديه أي ندم، يقول سليم، فهو أنه لم يتحرك بالسرعة الكافية ليشمل غير المسيحيين. لماذا يجب أن تقتصر المصالحة على المؤمنين؟
دفع هذا التغيير في التوجه إلى استقالة لودن. قالت لي: ان شغفي هو رؤية جسد المسيح يتصالح ، ويسير معا ، ويعيش ملكوت الله في وسطنا". ان مصالحة لا تعمل في الوقت الحالي في هذا المجال".
ولكن توماس غادر لأسباب مختلفة إلى حد ما. ففي عام 2019 ، أثناء قيادته لشباب يهود مسيحيين والمان مسيحيين عبر معسكر الاعتقال أوشفيتز ، أعاد قراءة يوحنا 17: 21 وكانت لديه استنارة: "أدركت أن المصالحة لم تكن مصممة أبدا لتكون غاية في حد ذاتها". وقال إن الهدف من صنع السلام هو أن نشهد للعالم أن يسوع هو المسيح. شارك توماس تفسيره مع سليم ، والذي لم يوافقه الرأي. شعر توماس – الذي كان جل اهتمامه للمجتمع المسيحي اليهودي – أنه أصبح فعلا غير ذي صلة في مصالحة ، نظرا لتحولها نحو اليهود العلمانيين. لذلك استقال.
لم تكن مصالحة تخسر المؤمنين الإسرائيليين فقط. فقد كانت تخسر المشاركين الفلسطينيين ايضًا.
كان سليم عنفوص شابا جائعا روحيا يبلغ من العمر 16 عاما يدرس ليصبح كاهنا كاثوليكيا عندما اندلعت الانتفاضة الثانية. ولقد أيقظ الصراع وعيه الاجتماعي وكسر إيمانه. فتساءل كيف يمكن أن يخدم إخوانه الفلسطينيين ككاهن، هل بالاشارة إليهم إلى إله يفضل كما يبدو اليهود ويسمح لهم بإخضاع شعبه للقنابل والإخلاء وسلب الأراضي والمراقبة وحظر التجول ونقاط التفتيش؟ من هنا ترك سليم عنفوص الكلية والإيمان.
قرر عنفوص دراسة الصحافة في كلية بيت لحم للكتاب المقدس. هناك ، ولأول مرة ، سمع إجابات كتابية لأسئلته اللاهوتية الكبيرة. فاخذ يصلّح علاقته مع الله ولكنه بقى يغلي بالكراهية تجاه إسرائيل ومحبطا من الكنيسة لعدم قيامها بما يكفي. وفي أحد الأيام، ابتكر ملصقا عملاقا يضم صورا لأطفال فلسطينيين قتلى وأنقاض، وكتب عليه بأحرف كبيرة: "أين أنتم من كل هذا؟". علّقها على لوحة إعلانات في ردهة الطلاب وكاد أن يطرد بسببها من الحرم الجامعي.
لكن كثيرون لم يأخذوه على محمل الجد. الا ان سليم منيّر فعل. فقد رأى في عنفوص نارًا شبابية يمكن أن تكون قوية إذا تم توجيهها. بعد بضعة أشهر، بحث عن الطالب في مسكنه وسأله ، ”هل تحب السفر؟”
"نعم."
"هناك رحلة قريبة إلى الصحراء في الأردن. هل تريد أن تأتي؟"
"بالتأكيد."
لم يكن عنفوص يعرف سوى القليل عن مصالحة في ذلك الوقت، في عام 2004. وسافر لأنه كان يحترم سليم. كان يعتقد أن التسكع في البرية مع شباب وشابات آخرين سيكون ملذًا.
في أول أمسية له في الصحراء الأردنية، جلس عنفوص بجانب شاب ودود تبين أنه يهودي مسيحي ينهي تجنيده في الجيش الإسرائيلي. ثم وضع عنفوص في خيمة ليتشارك فيها مع يهودي إسرائيلي آخر. في تلك الليلة، لم يستطع عنفوص النوم. لكن تدريجيا ، تخلى عن حذره. لماذا لا ندع المسيح يكون الجسر؟ من خلال مصالحة أقام صداقات مع يهود إسرائيليين استمرت لسنوات.
ثم اندلعت حرب غزة عام 2014. أطلق مقاتلو حماس آلاف الصواريخ وقتلوا ما يزيد قليلا عن 70 إسرائيليا. وقتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 2000 فلسطيني. رأى عنفوص أصدقاءه اليهود يجاهرون بدعمهم للجيش الإسرائيلي على منصة الفيسبوك، وهو ما كان بالنسبة له بمثابة الهتاف لذبح شعبه. لكن أصدقاءه اليهود قالوا إن عليهم الدفاع عن أنفسهم. وتبادلوا الرسائل الساخنة التي غاصت حتما في المناقشات اللاهوتية. لذلك نقر عنفوص على "الغاء صداقة" في منصات التواصل الاجتماعية لجميع اليهود الذين قابلهم من خلال مصالحة.
"ليس الأمر أن المسيح ليس ملموسا بما فيه الكفاية" قال لي عنفوص بعد سنوات في مطعم شاورما في بيت ساحور، خارج بيت لحم. "على ما يبدو ، ان الاسس التي اعتقدنا أننا نبنيها لم تكن قوية بما فيه الكفاية". وقال إن خلافاتهم عميقة للغاية. "عندما تسوء الاوضاع ، لا يمكنك تجاهلها. عليك أن تتعامل معها حقا. وعندما حان الوقت للتعامل معها ، لم تكن الصداقة متينة بما فيه الكفاية".
يمثل أنفوس جيلا من الفلسطينيين الذين ضاقوا ذرعا بمحاولات المصالحة التي لا تصر على تحرير فلسطين من الاحتلال. انه يقول إنه يهتم بصنع السلام. ان توقيعه الالكتروني هو "يا رب ، اجعلني أداة لسلامك". لكن تعريفه للسلام قد تغير. ما الهدف من الصداقة ، كما يقول ، إذا كان الطرفان غير متكافئين بشكل واضح وكان أحد الجانبين عازما على إبقاء النظام غير متكافئ؟ هذا النوع من صنع السلام "يعني الصمت. ان هذا ضعف! ليس هذا هو وقت الضعف. لقد حان الوقت للنضال من أجل العدالة".
لمدة خمس سنوات، كان عنفوص قائدا للشباب في كنيسة عمانوئيل الإنجيلية، وهي واحدة من أكبر الكنائس الإنجيلية في الضفة الغربية. وكان متحمسًا لمساعدة الأجيال الشابة على التوفيق بين إيمانهم وبين هويتهم الفلسطينية. انه يراقب بفزع ابتعاد الشباب الفلسطيني عن إيمانهم المسيحي. وقال: "الكنيسة لا تقوم بدورها ككنيسة في المجتمع هنا" "وبسبب ذلك، اتخذ جيل الشباب اتجاهات مختلفة تماما".
كما اشتبك عنفوص مع الراعي الرئيسي نهاد سلمان. يوافق سلمان على أن إسرائيل تضطهد الفلسطينيين تحت احتلال "شرير". انه يعيش فيه. لكن أولويته كقائد روحي، كما أخبرني، هي "قيادة الناس إلى عبادة الله على الرغم من الحرب أو الألم أو المعاناة". وقال إن هناك ما يكفي من الناس الذين يدعون إلى العدالة الاجتماعية، لكن قلة قليلة من الرعاة يقودون الفلسطينيين إلى الفرح والسلام في الله في خضم المصاعب. صنع السلام بالنسبة له يعني مصالحة الناس مع الله. قال: "بعد ذلك ، ستتصالح على الفور مع جيرانك".
هذا التوجه بصنع السلام أحبط عنفوص. "حسنا ، لكنني متصالح بالفعل مع الله"، قال لراعيه. ”ما هي الخطوة التالية بالنسبة لي بعد ذلك؟ هل يجب أن أجلس وأنتظر على المقعد ريثما يتصالح الجميع مع الله؟ أشعر أنك ما زلت تعاملني كطفل صغير في الوقت الذي قد تخرجت انا فيه بالفعل".
ترك عنفوص في نهاية المطاف كنيسة عمانوئيل وقد اصابه الاحباط وانضم إلى كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية – التي يعمل راعيها الحالي ، منذر إسحق ، مديرًا لمؤتمر المسيح على الحاجز وعضو مجلس إدارة مصالحة منذ فترة طويلة.
كان إسحق مدافعا عن المصالحة لمدة عقدين. بدأ يقود رحلات لقاءات الصحراء وهو في العشرين في عمره. "لقد آمنت بذلك" قال لي في مكتبه في الكنيسة في بيت لحم. "اعتقدت أن الطريق الحقيقي الوحيد للسلام هو إذا آمنا بيسوع. إذا كان لدينا يسوع ، فلدينا سلام ".
في السنوات الأولى من مؤتمر المسيح على الحاجز ، أصر إسحق على أن يشمل المؤتمر اليهود المسيحيين. ويستذكر اسحاق قائلا: "لقد كنت مكرسا جدا لذلك"، لدرجة أنه قاد سيارته لساعات إلى منازل اليهود المسيحيين لدعوتهم. قال لهم: "لا يمكننا إجراء محادثة حول الصراع بدون صوتكم".
لذا فإن سماع النقد المسيحي اليهودي بأن المسيح على الحاجز كانت دعاية سياسية معادية للسامية خيّب أمله كثيرا.
ومع مرور السنين ، أصبح إسحق مضطربا بشكل متزايد بشأن صنع السلام كما كان يعرفه. لربما يكتسب الحضور في المؤتمر معرفة وجهات نظر مختلفة ، لكن الفلسطينيين لم يحصلوا بعد على الحرية. في الواقع، بدت إمكانية قيام دولة فلسطينية بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى: على مدى العقود الستة الماضية، سكن أكثر من 750 ألف مستوطن يهودي، مدعومون من دولة إسرائيل، في مستوطنات مدججة بالسلاح ومحصنة في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهكذا اصبحت المنطقة التي كان ينبغي أن تصبح الدولة الفلسطينية بمثابة ما يشبه الجبن السويسري.
ويبدي إسحق انزعاجه أيضا من اللاهوت الصهيوني، الذي يعتبره لاهوتا زائفا ينزع الشرعية عن وجود الفلسطينيين وكرامتهم ويدعم الاحتلال الإسرائيلي. إنه يؤمن بأهمية المصالحة، لكنه بدأ يتساءل عما إذا كان جل ما يفعله بهذا هو منح الناس الشعور بالرضا عن أنفسهم دون القيام بأي شيء لحل النزاع.
وجاءت نقطة تحوله في عام 2016، عندما انضم إلى مجموعة من حوالي 30 مسيحيا فلسطينيا ويهوديا مسيحيا في إطار مبادرة لوزان للمصالحة في إسرائيل/فلسطين. لقد تعاون إسحق وسليم ولودن في تنظيم الاجتماع.
ولقد صلّت المجموعة عدة ايام وعبدت معا في لارنكا ، قبرص ، لاجل طلب الوحدة فيما يتعلق بالصراع. وقدم إسحق محاضرة يوضح فيها أن وعد الله لإبراهيم ونسله لم يعد ينطبق فقط على اليهود وأرض إسرائيل، بل على جميع أبناء الله والأرض كلها. وجادل بأن يسوع كان مهتما بملكوت الله ، وليس أرض إسرائيل.
ويتذكر أحد المشاركين في مجموعة لارنكا ، جيمي كوين ، وهو محام يهودي مسيحي شعوره "بالانزعاج والتحدي" من عرض إسحق. "كان الأمر مثل ، حسنا ، لست متأكدا مما إذا كنا نقرأ نفس الكتاب المقدس. لقد كان لاهوت استبدال كلاسيكي". أعرب كوين عن عدم موافقته على نقاط إسحق ، بينما ابدى أخرون مواقفهم المختلفة. احتدم النقاش ، ورفع بعض المشاركون أصواتهم ، وفي النهاية لم يغيّر أحد رأيه.
هذه الآراء المختلفة حول لاهوت الأرض المقدسة هي السبب في توقف العديد من محاولات صنع السلام بين اليهود والفلسطينيين المؤمنين. هذا هو السبب في أن معظم اليهود المسيحيين حذرون من مؤتمرات مثل المسيح على الحاجز ، حتى لو أدلوا بتصريحات تدين معاداة السامية – بالنسبة لهم ، فإن الحدود بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية رفيعة. الأرض التي أعطاها الله لأسلافهم هي جوهر هويتهم وإيمانهم.
ومع ذلك، بالنسبة للعديد من المسيحيين الفلسطينيين، فإن الصهيونية هي "لاهوت سياسي عرقي" يميز شعبا على حساب شعب آخر. إن وجودهم التاريخي الطويل في نفس الأرض التي سار فيها يسوع هو مصدر فخر وشهادة لأمانة الله.
وقال كوين إن تمكن المجموعة من صياغة وتوقيع بيان في اجتماع قبرص كان "معجزة إلى حد ما". لقد تناقشوا لساعات حول ما إذا كان يجب تضمين كلمة احتلال. واختار بعض المشاركين عدم التوقيع على الوثيقة، المعروفة باسم بيان لارنكا، التي أكدت على وحدة المؤمنين بالمسيح وعددت العديد من الخلافات الرئيسية بين الفصائل اليهودية والفلسطينية.
لقد سمعت بعض الناس يرفضون بيان لارنكا باعتباره غير منطقي. لكنها كانت مهمة على الأقل لبعض الأشخاص الذين وقعوا عليها. ووصفت لودن، التي ساعدت في تنظيم الحدث، الحدث بأنه "لحظة تاريخية". وقالت إن التصريحات لم يكن القصد منها أبدا تغيير الأمور على أي حال. بدلا من ذلك ، "البيانات تؤرخ التاريخ". إن جلوس مجموعة من اليهود والفلسطينيين ذوي نفوذ معا وكتابة شيء ما وتوقيعه كان إنجازا تاريخيا في حد ذاته.
كوين، على الرغم من عدم موافقته، وصفها بأنها تجربة "مغيّرة للحياة": "من بين كل الأشياء التي قمت بها هنا منذ مجيئي إلى إسرائيل، كان هذا أهم شيء شاركت فيه، دون منازع". كانت لارنكا هي المرة الأولى التي يفهم فيها التجربة الفلسطينية، وبعد المؤتمر، واصل قراءة مؤرخين مثل بيني موريس الذي تحدى افتراضاته حول تأسيس إسرائيل. كما أقام صداقات جديدة: فقد دعاه محام فلسطيني إسرائيلي التقى به في لارنكا لحضور حفل زفاف ابنه.
كانت لارنكا بمثابة تغيير حياة لإسحق أيضا. رجع اسحق إلى بيته بعد المؤتمر مريضا جسديا وعقليا. لقد تمت مهاجمته لاضطراره إلى الشرح والدفاع ومناقشة الكلمات والعبارات التي ، بالنسبة له ، لم تكن رأيا بل حقيقة. وقد وقّع على البيان فقط لأنه شعر بالضغط عليه. لكنه شعر وكأنه وضع اسمه على شيء "أضفى الشرعية على تبرير اضطهاد شعبي".
فقرر: هذا هو! "لا أريد أن أفعل هذا مرة أخرى".
في عام 2021 ، عندما ذهب إسحق إلى اجتماع بين اليهود الإسرائيليين المؤمنين واليهود الألمان والفلسطينيين ، استمع بفارغ الصبر إلى أشخاص يشاركون رواياتهم المختلفة. ثم فقد صوابه.
"لقد سئمت من هذا" قال للمجموعة. "نحن لا نتحدث عن أي من القضايا الحقيقية، بما في ذلك حقيقة أن لاهوتك قد استخدم لتبرير الاحتلال. أنت جزء من النظام الذي يدفع شعبي إلى الخارج ، ويستبدلهم بشعبك. وتريد أن تأتي وتقيم سلامًا معي؟ بربكم!" منذ لارنكا ، طور إسحق نهجا مختلفا جدا لصنع السلام. انه لا يزال يتحدث بهدوء وبلطف. وهو يعطي انطباعا بأنه كاهن وديع. لكن من الواضح أنه صريح ، لا يخشى ان يكون مسيئًا. انه يقول إن الخطوة الأولى للسلام هي تسمية الأشياء بأسمائها. انه كثيرا ما يستخدم مصطلحات مكهربة مثل التطهير العرقي والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.
هو يقول إن محاولة أن تكون محايدا، وأن تترك المنظورين في توتر دائم، ليست عملية صنع سلام كتابية. "بالنسبة لي ، من الواضح أن الله منحاز – ليس مع العِرق ، ولكن مع المضطهَدين والمنكوبين والمهمَشين. وإذا انحاز الله إلى هذه المجموعة من الناس ، فعلينا نحن أيضا".
أخبر بعض الناس إسحق أنه قد تغيّر. إنه تصادمي للغاية ، كما يقولون. ان نهجه لن ينجح. وجواب اسحق هو :"وهل نجح النهج الناعم؟"
في عام 2019، وبعد فترة وجيزة من تغيير إسحق لمواقفه حول صنع السلام، عاد دانيال منيّر إلى إسرائيل من الدراسة في الولايات المتحدة وإنجلترا. وكان قد رفض عروضًا للعمل في لندن لصالح عودته للبلاد. وكان يؤمن بأهمية عمل مصالحة.
وفي عام 2020، أخبر صديق لدانيال من الضفة الغربية شيئأ أثار تحولا في مصالحة. قال هذا الصديق إنه استمتع بالمشاركة في برامج مصالحة وتكوين صداقات مع اليهود الإسرائيليين. ولكن بعد انتهاء البرنامج، عاد إلى منزله في مخيم للاجئين. "أريد أن أعيش بسلام مع الإسرائيليين"، قال الصديق لدانيال. "ولكن كيف يمكنني ذلك؟ لا أريد أن أعيش في هذا الاحتلال. لا أريد أن تكبر ابنتي في مخيم اللاجئين هذا. وأنا لا أرى لنفسي أي مستقبل. هل تنقلنا برامجكم نحو مستقبل مختلف؟"
واخذت تلك المحادثة تطارد دانيال. قال:"لم أستطع إخراجها من عقلي" لقد شعر أن صديقه كان على حق. "ما تقوم به مصالحة رائع، لكن يمكننا تعديله وتحسينه. يمكننا أن نجعلها أكثر صلة بواقعنا السياسي".
لقد أصبحت تلك محادثة حامية بين سليم وأبنائه. تحدّاه أبناؤه أن يعيد التفكير في مصالحة. وقالوا لسليم إنه إذا كانت إسرائيل مشروعا استعماريا استيطانيا، فإن ذلك يجب أن يغيّر الطريقة التي تتعامل بها هيئة مصالحة مع المصالحة.
وقال دانيال لوالده انه لربما لا ينبغي أن تكون هيئة مصالحة حول "التعايش"، بقدر هي حول "المقاومة المشتركة" اللاعنفية. يجب أن يواصلوا العمل على المصالحة بين الأشخاص، ولكن يجب عليهم أيضا العمل على المصالحة الهيكلية، والاشارة للأنظمة التي تضطهد الآخرين وتجعل المصالحة بين الأشخاص شبه مستحيلة.
استمع سليم وصارع مع ذلك. لم يكن من السهل عليه اعتبار أنه ربما أساء فهم الصراع بشكل أساسي، وأن عمل مصالحة ربما يكون قد عانى من أجله. في النهاية ، بعد البحث والتفكير ، اتفق مع دانيال.
اليوم ، هناك تغيير في الرئاسات. ان مجلس إدارة مصالحة أكثر انسجاما مع الرؤية الجديدة. في عام 2022 ، انتقل سليم إلى دور استشاري ، وأصبح دانيال المدير التنفيذي الجديد.
عندما قابلت سليم في مكتب مصالحة الصغير في منطقة صناعية في القدس، كان نابضًا بالحياة، بعيونه العسلية الحادة تحت شعره الرمادي. كما هو الحال دائما ، لم يلطف كلماته.
في البداية، قال سليم، إن رؤيته كانت ان أتباع يسوع، اليهود والفلسطينيين الإسرائيليين، يصنعون السلام في الأرض المقدسة حيث جاء يسوع ومات وقام. يا لها من شهادة لرغبة الله في المصالحة مع العالم.
"كان هذا حلمي"، قال لي سليم. "وفشلنا."
لقد عززت مصالحة صداقات لا حصر لها بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما طوّرت منهجية لاهوتية للمصالحة تميّزت عن غيرها من منظمات بناء السلام. "لكننا فشلنا عندما تعلق الأمر بالهيكلية السياسية داخل الكنيسة وخارجها"، قال سليم. "فالفلسطينيون ليسوا على قدم المساواة".
ومع ذلك فهو لا يزال متفائلا.
"أنا حقًا ، حقًا وحتى اليوم أؤمن بأن هويتنا المركزية في المسيح تحل محل هويتنا العرقية وتثريها. أعتقد أننا نستطيع – وقد نشأت مع هذا الاحتمال – أن الفلسطينيين والإسرائيليين يمكنهم العيش مع بعضهم البعض، إذا كانوا متساوين". السلام لا يتعلق فقط بفهم بعضنا البعض والتوفيق بين الاختلافات. يجب أن السلام يشمل العدالة والتحرر والمساواة.
لطالما دافع سليم عن العدالة والمساواة في صنع السلام. وقد كتب عن ذلك في كتاب "من خلال عيون عدوي"، وهو كتاب تشارك في تأليفه مع لودين في عام 2014. وهذا ليس جديدا. لكن ما تغيّر هو تأطير سليم لإسرائيل كمشروع استعماري استيطاني، وإعادة تسمية المصالحة كجزء من "مقاومة" الاحتلال الإسرائيلي. هذه تحولات كبيرة في رؤية مصالحة ورسالتها. فهي تصوّر الفلسطينيين على أنهم الطرف المضطهَد اكثر، وتشجع الفلسطينيين على أخذ زمام المبادرة، وتؤيد حلا سياسيا محددا.
في أعقاب 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يركز معظم اليهود الإسرائيليين الذين تحدثت إليهم على النظريات المثيرة لصنع السلام، بل على الصدمة والصعقة الخاصة لهجوم حماس – الذي شمل اغتصاب النساء، وقتل الأطفال وكبار السن، وربط أحد الوالدين والطفل وحرقهما أحياء. لقد أثار هذا القلق الوجودي العميق لشعب تعرض للاضطهاد طوال تاريخه الممتد لآلاف السنين.
لم يحاول المسيحيون الفلسطينيون الذين التقيت بهم تبرير ما فعلته حماس. لكن أولئك في الضفة الغربية بالكاد ذكروا الهجوم، وتحدثوا بدلا من ذلك عن قصف غزة. كل فلسطيني تحدثت معه وصف الحرب في غزة بأنها "إبادة جماعية". عندما طلبت منهم أن يشرحوا ذلك، كانوا يسحبون الهواتف النقالة ويعرضون عليّ مقاطع فيديو لمنازل مجوفة، وجثث أطفال ملفوفة بقطعة قماش بيضاء، وأمهات ينتحبن وقد تغطين بالرماد. هل كانت إسرائيل ستسقط مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل لو كان مقاتلو حماس يختبئون في جيوب يهودية؟ من يستطيع أن يفعل ذلك ويتوقع نجاة غزة؟ "اذا لم تكن هذه إبادة جماعية" ، سألني عنفوص ، "فما هي؟"
بعد الهجوم، نشرت هيئة مصالحة "رسالة رثاء" حدادًا على مقتل مدنيين إسرائيليين وغزّيين وأعمال كل من الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حماس. لكن بعض التصريحات من المسيحيين الفلسطينيين لم تعترف بدور حماس في بدء الحرب، ولم تدن ما يرقى إلى أكبر عملية قتل جماعي لليهود منذ المحرقة.
وبعد أن يهدأ الغبار، سيتذكر اليهود صمتهم، كما قال توماس، عضو مجلس الإدارة السابق.
وقال: "إذا لم تعترفوا بذلك، فعندئذ في نظر المجتمع المسيحي اليهودي، ففي نواحي معينة، انكم تؤيدون ذلك". "ان هذا ليس عادلا دائما ، كما أنه ليس صحيحا دائمًا في جوهره. ولكن هذه هي الطريقة التي يتم فيها رؤية الأمر".
لطالما كانت لودين ، البالغة من العمر 77 عاما ، متفائلة. لقد دافعت عن السلام والمصالحة بين اليهود والفلسطينيين على الرغم من أنها شهدت ست حروب منذ انتقالها إلى إسرائيل. لكن هذا الهجوم أصابها بشكل مختلف. لقد شلّ الحزن حركتها لعدة أيام.
"لا أعرف ما إذا كانت المصالحة يمكن أن تحدث"، قالت لي لودن في منزلها في نتانيا في غرب وسط إسرائيل. "لقد تحدثنا لسنوات عديدة: ’هل يمكننا بناء سرد تجسير؟ هل يمكننا بناء لاهوت تجسير؟ لقد تبددت كل الجهود للقيام بذلك.
إنها على استعداد للمحاولة مرة أخرى. لكن ليس الآن". "هناك أوقات يمكنك فيها التحدث عن هذه الأشياء وأوقات لا يمكنك فيها ذلك. هذا ليس الوقت المناسب".
وفي الوقت نفسه، فإن نموذج الاستعمار الاستيطاني – السرد القائل بأن المستوطنين اليهود البيض جاءوا لاستعمار السكان الأصليين ذوي البشرة السمراء بدلا من استيعابهم – يكتسب زخما بين الفلسطينيين مثل عنفوص، وهذه هي الطريقة التي بها يرون الحرب الحالية: عدوان استعماري يهدف إلى القضاء على الثقافة الأصلية والانتماء.
ان هذا النوع من اللغة يمكن أن يغلق أي مجال لحوار بشأن السلام والمصالحة. بالنسبة للعديد من اليهود، فإن "المستعمرين الأوروبيين البيض" هم الذين يُتهمون بأنهم هم الذين قتلوا ملايين اليهود في القرن ال20. انهم يشيرون إلى التوراة كدليل مكتوب على أن لديهم أيضا مطلب تاريخي بالأرض. انهم يقولون إن تمني الفلسطينيين برحيلهم يمكن ان يتساوى بإبادة جماعية في حد ذاتها.
يقول دانيال لليهود الإسرائيليين: "أنا لا أقترح أننا بحاجة إلى محو إسرائيل. ما أقوله هو أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في أساسات مشهدنا السياسي، حتى نتمكن جميعا من العيش هنا على قدم المساواة، وأن تستند حقوقنا وحرياتنا إلى مواطنتنا، وليس خلفيتنا العرقية أو الدينية. أريد بلدا لجميع مواطنيه".
بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، سأل المشاركون من طرفي النزاع دانيال: "هل هناك أي جدوى من المصالحة بعد كل هذا؟"
لكن هذه الحرب هي بالضبط تثبت النقطة ، كما يجادل دانيال.
ويقول: "علينا أن نوفر أطرًا يمكن للناس من خلالها إجراء محادثات والعمل من خلال عواطفهم". ”لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك ، فسيكون ذلك بمثابة انفجار شامل من الغضب والغيظ ، وسيثير الانتقام والدمار. وكانت هذه هي الدائرة المفرغة".
ان هيئة مصالحة تحاول الربط بين فكرتين غير متوافقتين على ما يبدو، كما أخبرني سليم. إنه يريد تشجيع المصالحة واحتضان رواية إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني.
ويقول سليم:"أنا متفائل جدا". هو يرى صحوة في إسرائيل والمجتمع الدولي حول الحاجة إلى إيجاد حل لإسرائيل وفلسطين بعد سنوات من وضع القضية جانبا. وقال إن مصالحة صوت نبوي.
السؤال الآن هو ما إذا كان الآخرون سيرون الأمر بهذه الطريقة.
بينما كنت أسير في شارع ستار في بيت لحم مع عنفوص ، تلقى مكالمة من دانيال. كان يحاول إقناع عنفوص بإعطاء مصالحة فرصة أخرى. اذهب لقراءة أحدث رسائلنا الإخبارية ، أخبره دانيال. _ اننا نسير في اتجاه جديد. سوف تتغير امور _
"سنرى"، قال عنفوص.
صوفيا لي هي كاتبة عالمية في CT.