قبل حوالي 15 عامًا كان يدوي صدى نداءات تونس لأجل الديمقراطية في كل الشرق الأوسط وشمال افريقيا ويطيح بالدكتاتوريين ويمكّن المواطنين بحريات جديدة.
حكمت محكمة تونسية الأسبوع الماضي بالسجن على حوالي 40 قائد سياسي واعلامي ومن رجال الاعمال الذين اعتبِروا تهديدًا. ولقد حكم على البعض منهم بالسجن لحد 66 عامًا.
رغم ذلك لكن الأعضاء المائة وعشرين او ما شابه من كنيسة ايغليس ريفومي دي تونيسيا (الكنيسة المصلحة في تونس) يسيرون في كل يوم احد تقليدي عبر مجموعة من الشقق ذات الأسلوب الكولونيالي الفرنسي ويتجهون نحو ساحة مزيّنة في ورد “الجهنمية” ويدخلون الى مبنى الكنيسة.
انهم ينحدرون من خلفيات مختلفة. أحدهم عرّاف قد قرأ الكتاب المقدس، فانقلب علم الكونيات خاصته رأسًا على عقب. فطلب ان يعتمد. انه يقود الآن القدّاس في خدمات الكنيسة. أحد المشاركين الآخرين درس عن المسيحية عن طريق الانترنت، فاعلم امه بذلك، ولكنه قوبل بخيبة امل منها. بعد عدة سنوات حلمت امه حلمًا اتى فيه يسوع اليها وطلب منها ان تقرأ الكتاب المقدس. فاستيقظت من النوم وقرأت الكتاب وبالنتيجة اعترفت بإيمانها في المسيح. شخص آخر هو امرأة تونسية شابة رفضت الإسلام وأصبحت شيوعية ولكنها شعرت بدافع قوي ان تسعى لهدف أفضل. لقد اعتمدت مؤخرًا.
لكن اغلب العابدين في هذه الكنيسة التي يرجع عمرها الى 143 عامًا هم من جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا واتوا الى تونس ليدرسوا في جامعاتها او انهم يمرّون من العاصمة في طريقهم الى أوروبا. تشمل خدمات يوم الاحد ايضًا مجموعة من الأجانب من الأمريكيين والكنديين.
بعض التونسيون يرون بالمسيحية كقوة اجنبية مناهضة لطريقة الحياة التونسية. ان في `ذلك مفارقة حيث ان المسيحيين عاشوا، فيما هو تونس اليوم، خلال عدة عقود بعد اول عيد قيامة على الرغم ان المسار الدقيق لوصول الانجيل لم يتم تأكيده بعد.
ان المدافع عن الايمان المسيحي المبكر تيرتليان الذي ولد في قرطاجة في عام 160 وضع العقائد الأساسية الكنسية والتي الهمت الشهيد كبريانوس ولاحقًا اغسطين وهو مطران في هيبو ( وهي تسمى اليوم عنابة في الجزائر). واستمر وجود مسيحي قوي حتى الاحتلال الإسلامي في شمال افريقيا في القرن السابع الذي خفض السكان المسيحيين الى اقلية صغيرة، ما زالت موجودة اليوم.
وعاش التونسيون بعدها تحت عدة امبراطوريات قبل الاحتلال الفرنسي في القرن التاسع عشر. بعد حصولها على الاستقلال عام 1956 كانت تونس في المرحلة الأولى ذات تسامح ديني تجاه الأقليات الدينية، أكثر من كثير من جيرانها وحتى انها منحت الحماية للحرية الدينية في دستورها.
في العقود الأولى في المرحلة التي أعقبت الاستقلال، تعايش تعبيرًا ليبراليًا للإسلام مع المسيحية. لكن في عام 1987 استلم زين عابدين بن علي الحكم وسعى الى التحكم بحزم بكل حركات الأقليات التي من الممكن ان تهدد سلطته.
وفي 17 كانون اول (ديسمبر) 2010، دخل رجل يائس مترنحًا وغاضبًا الى مكتب حكومي محلي في مركز تونس. ورشّ على نفسه سائلًا مخففًا للدهان وأشعل النار. في اعقاب غضبه من الحكم الاستبدادي الذي انتهجه بن علي لعقود طويلة، اختار محمد بوعزيزي هذه الطريقة البشعة النهائية للاحتجاج بسبب يأسه من الحرية التي آمن انه من المستحيل ان يحصل عليها.
لكن موته أشعل مظاهرات الربيع العربي التي أطاحت ببن علي، وبطرق كثيرة انتشرت عبر الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمدة خمسة عشرة عامًا.
واشعلت الحركة الحروب الاهلية في ليبيا واليمن وسوريا وحفزت الإطاحة بدكتاتوريين في ثلاثة من دول شمال افريقيا، كما وانطلق في اعقابها تحوّلًا سياسيًا واعدًا في تونس. وفي 2014 نظمت الدولة اول انتخابات حرّة ونزيهة التي قادت الى تغيير، حاز على جائزة نوبل للسلام، تبعها عدة انتقالات سليمة للحكم. وآمن كثيرون ان تونس ستسير في نفس الطريق.
وركز إعادة نص الدستور السلطة في ايدي الهيئة التنفيذية. فالرئيس هو رئيس النيابة العامة وايضًا الشخصية الوحيدة المؤهلة لفصل أي قاضي لأسباب لا حدود لها نسبيًا.
ان في الدستور لغة توجيهية للدولة لكي تحمي الاسلام ولان تضمن اولويتها. ويلخص خبير قانوني ان الحكومة “تؤسس دولة دينية”.
ان المشاعر المناهضة للهجرة في البلاد قد عقّدت حياة التونسيين المسيحيين. فلقد تسجل حوالي 16500 لاجئ ومهاجر اسود من جنوب الصحراء الكبرى في مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، رغم ان كثير منهم قد دخلوا الدولة الشمال افريقية دون تسجيل.
. وفي عام 2023 استهدفت السلطات 1200 من الافارقة السود ودمرت ممتلكاتهم وبحسب ما ادّعوا، قاموا بالاعتداء الجسماني والجنسي على المهاجرين قبل طردهم الى الحدود مع ليبيا.
بذات الوقت، فان اي شخص يتكلم ضد الحكومة يخاطر بان يتم تقديمه للمحاكمة. وفي عام 2022 سنّ “سعيد مرسوم 54” وهو بالظاهر قانون للجرائم السيبرانية والذي يمنع الخطاب الذي ينشر المعلومات الكاذبة، وهي تعرّف بشكل عامًا وذاتيًا.
وتهتم الكنيسة التونسية المصلحة وباقي الكنائس ان يعرف المعتنقون الجدد للإيمان المسيحي ان حياتهم لن تصبح أسهل تلقائيًا. وكما كتب اغسطين الذي قضى اغلب خدمته في قرطاجة مرة، انه من المفروض ان نعمة الله ” تساعد الصالحين وليس ان تعينهم للهرب من معاناتهم، وانما ان يتحملوها بقلب قوي وبثبات يجد قوته في الايمان”.
لوك واغونير هو مستشار في مجال الحكم السياسي الدولي.
لقد تم تقصير المقال تجاوبًا مع طلب الكنيسة التونسية