قرار الرئيس الأمريكي ترامب الانضمام للهجومات الإسرائيلية على إيران كان متوقعًا منذ وقت طويل.
في عام 1995، حذر موظفون امريكان واسرائيليون، في تصريح ل-نيويورك تايمز، ان إيران سوف يكون لديها سلاحًا نوويًا في المستقبل القريب جدًا، ما لم تُتَّخَذ خطوات. وَكَّل الرئيس جورج بوش البنتاغون ان يدرس احتمالات ممكنة لضربة كهذه “حتى يوقفوا دق ساعة القنبلة الموقوتة، ولو بشكل مؤقت”، وخلال حملته الانتخابية عام 2008، غنى جون ماكين بدعابة “اقصف، اقصف، اقصف، اقصف، اقصف إيران”. قالت إسرائيل ان القنبلة أصبحت وشيكة وذلك خلال فترة حكم أوباما – ربما على بُعد ثلاث سنين، بحسب وزير الدفاع عام 2011– وحسب تقارير نشرت فان حكومة بايدن حضّرت خططًا لقصف مواقع إيرانية نووية في بداية هذا العام.
هذا الاستعداد الطويل، قد يوحي ان اشتراك أمريكا في هذه الحرب كان امرًا محتومًا. حسب رأيي- الامر ليس كذلك. انها حرب اختيارية، وهي الاختيار الخطأ. ان هذه الضربات الامريكية على إيران غير قانونية، غير ضرورية، ليست ذات شعبية، محفوفة بالمخاطر وقيمتها الاستراتيجية مشكوك في أمرها. قد ينجحوا او لا ينجحوا في إيقاف مؤقت للقنبلة الزّمنية، لكنها مراهنة استراتيجية. هو وقت لرفع صلاة نطلب فيها الحكمة والسلام لأجل كل اولئك المطالبين في الحرية والأمان للمسيحيين وأُناس مضطهّدة أخرى في إيران.
يصرّ نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس- على الاغلب هو يعي ان اغلبية الجمهور الامريكان، بضمنهم غالبية الجمهوريين يعارضون حرب أمريكية مع إيران- يُصِرّ ان حكومة ترامب لا ترغب في تصعيد الصراع بحيث يصبح حرب ميدانية على الأرض. في الحقيقة، هو يصرّ ان أمريكا ليست في حرب مع ايران اصلًا.
ان الادعاء الأخير مثير للضحك. (لو قصفت إيران فورت براغ هل كان سيُقبل عندها الادعاء انهم ليسوا في حرب معنا؟). كما أنها تنبِّهنا لوجود مشكلة قانونية في الأمر، وهي ان الدستور الامريكي يمنح سلطة اعلان حرب للكونجرس، وليس للرئيس، والكونجرس لم يعلن هذه الحرب.
في ملاحظات المؤتمر الدستوري التي كتبها جيمس ماديسون والتي تحوي تعليقات من ” ابي وثيقة الحقوق” جورج ميسون، تُظهر القصد هنا واضحًا بشكل لا يمكن الهرب منه: ان واضعي دستورنا اعتقدوا انه لا يمكنك أن “تأتمن بثقة” رجل واحد وتسلِّمه مثل هذه السلطة الكبيرة. لقد كانوا معنيين في “الحدّ من الحروب وليس التّيسير لها، بل تيسير السّلام”. وأتاحوا للرئيس ان يتصرف بمفرده في حال الحاجة ” لصد هجومات مفاجئة” فقط. هنا نحن لسنا تحت هجوم مفاجئ.
اعتقد ان هذا العدوان يشكل انتهاكًا لقانون قوات الحرب لعام 1973، الذي سُنّ، رغم نقض ريتشارد نيكسون له، بهدف تقييد شن رئاسة الجمهورية حربًا بشكل غير قانوني.
لقانون القوات الحربية ثلاثة سيناريوهات يمكن للرئيس ان يقوم بشن حرب بحسبها: ” 1-اعلان حرب، 2- توكيل تشريعي محدد، او 3- حالة طوارئ وطنية تكونت نتيجة هجوم على الولايات المتحدة، أراضيها او ممتلكاتها او قواتها المسلحة”. لا ينطبق أي من هذه الشروط هنا.
حتى لو كانت هذه الضربات ضرورية، فان الرئيس- مثل رؤساء كثيرين آخرين قبله من الديمقراطيين او الجمهوريين على حد سواء، والذين اعتبروا أنفسهم جديرين بالثقة في تصرفهم بالسلطة التي لم تكن اصلًا ملكهم- يحنث في قسمه الذي أدّاه للدستور. كما حذر النبي حبقوق من إساءة استخدام السلطة،” لذلك جمدت الشريعة ولا يخرج الحكم بتة ” (حبقوق 1: 4).
لكن اعتراضي هو ان الضربات لم تكن ضرورية. في مقطع فيديو تم تداوله قبل عدة أيام على مواقع التواصل الاجتماعي بين الإعلامي تاكار كارلسون وبين السيناتور الجمهوري تيد كروز، هذا الأخير يدعم تغيير النظام في إيران بالقوة، لم يستطع كروز ان يقول ما هو عدد المواطنين في إيران. اليكم رقمًا أكثر اهمية: ان مجمل الناتج المحلي في إيران (341 مليار دولار في 2025) هو اقل من نصف مصروفات الدفاع الأمريكي ( 850 مليار دولار في 2024).
بكلمات أخرى، الأموال التي نصرفها على جيشنا كل عام هو أكثر من ضعف الاقتصاد الإيراني. نحن لا نتحدث عن ميزانية إيران الحكومية الكاملة. انما عن كل اقتصاد إيران. كله.
لا اقصد بذلك، ان أقول انه ليس في وسع إيران إيذاء مصالح الولايات المتحدة- خاصة القوات الامريكية المرابطة في انحاء الشرق الأوسط. لكن إيران لا يمكنها تعريض أمريكا لاي تهديد وجودي، حتى لو كان برنامجهم النووي أكثر تقدمًا مما كان عليه قبل هذه الضربات. انها دولة فقيرة، ضعيفة تبعد مسافة نصف الكرة الأرضية ويفصلها عن أمريكا محيط، كما انها محاطة بقوى معادية لها. ليس هناك سيناريو تحتل فيه إيران أمريكا.
لكن هناك سيناريو يمكن بحسبه ان تخسر الولايات المتحدة الحرب على نسق الخسائر في العقدين الأخيرين في أفغانستان، العراق، اليمن، الصومال وليبيا. هناك سيناريو أكثر من محتمل وهو ان هذه بداية لمأزق سوف يمتد لسنوات ويزعزع استقرار الدولة ويترك عشرات او مئات آلاف الموتى البريئين- وذلك ليس مدعاة للفخر. من المفروض اننا أصبحنا نعرف ان تغيير نظام الحكم الذي تهندسه الولايات المتحدة، لا يمكن الاعتماد عليه ليقودنا الى حرية او سلام.
أفكر تحديدًا بالخطر الذي تحدقه الحرب في المسيحيين في إيران. سوف يصبح الايرانيون المسيحيون أكثر هشاشة إذا استمرّت الحرب، فهُم الآن أقليّة مضطهدة معرّضة للسجن والمداهمات والغرامات والاعتداء بالضرب واجراءات قاسية أخرى بسبب ايمانهم. لن تتجاوز القنابل عن بيوت المسيحيين. زد على ذلك ان أنظمة حكم الطغاة التي تحت ضغط، تصبح احيانًا أكثر طغيانًا بالذات ضد الأقليات المنشقة او الأقلّيات الأيديولوجية مثل المسيحيين تحت نظام إسلامي مستبد.
وبينما قد نأمل ان الصراع قد يأتي في حكومة جديدة أكثر تساهلًا لسدة الحكم في طهران، ولكن لا يوجد ضمان لذلك- بل على العكس. تقلّصَ عدد المسيحيين في العراق بأكثر من 80% نتيجة للحرب التي بادرت لها الولايات المتحدة، وما حدث بعدها.
اشار تقرير وكالة الانباء اسوسيتد بريس في 2021 الى التالي: “كان العدد التقديري للمسيحيين في العراق قبل الاجتياح الذي قادته امريكا في عام 2003: حوالي 1.5 مليون شخص”. كان لتلك الكنائس القديمة جذور تمتد حتى الكنيسة الأولى. لكن اليوم،” يقدّر مسؤولون في الكنيسة انه بقي، بحسب تقديرهم، بضع مئات آلاف من المسيحيين، او حتى اقل، ضمن الحدود العراقية”. يشعر الكثير منهم أنهم “متروكين، مريري النفس وبائسين” ولديهم أقل حرية للعبادة مما كانوا عليه تحت دكتاتورية صدام حسين. يتوجب ان نريد نحن جميعا الحرية للإيرانيين المسيحيين، ولكن من السذاجة ان نتخيل ان حربًا أمريكية هي طريقة مضمونة لنوالها.
في النظر للأمام، اتأمل ان تكون “نعم” فانس نعمًا لوعده بعدم التصعيد (متى 5: 37). اريد ان اومن انه يقول الصدق (1 كور 13: 6-7). أصلي لأجل ترامب وفانس ” وجميع الذين هم في منصب، لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار”، في الولايات المتحدة، إسرائيل وإيران على حد سواء (1 تيم 2:2).
مع ذلك، اعترف أني أشُكُّ في حكمة قادتنا وأني قلقةً حول وجهتنا من هنا. ومع كاتب الجامعة أخشى ان ” ما كان هو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع” (الجامعة 1: 9).
“كلمات الحكماء تسمع في الهدوء أكثر من صراخ المتسلط بين الجهال” كما يقول (الجامعة 9: 17). لكن كل ما اسمعه هو الصراخ. ” الحكمة خير من ادوات الحرب. اما خاطئ واحد فيفسد خيرا جزيلا”. لكن نحن البشر الساقطون نُحسِن بناء أسلحة أكثر من ان نكون حكماء.
يومًا ما، الله نفسه سوف ينصف ” بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد (اشعياء 2: 4). لكن لا يبدو ان ذلك اليوم سيأتي هذا الأسبوع.
بوني كريستيان هي مديرة تحرير للافكار والكتب في المسيحية اليوم