إذا كنت ترغب في أخذ استراحة من بابا نويل في كانون الأول، فيمكنك ان تجرب هاكوب بدلاً من ذلك، وهو تقليد أرمني يعود تاريخه إلى كنيسة القديس نيكولاس القديمة.
سانتا كلوز، أيقونة عيد الميلاد الحديثة، مشتق من التقاليد المرتبطة بالقديس نيكولاس، وهو أسقف من أصل يوناني في القرن الرابع الميلادي والذي كان معروفًا بتقديمه للهدايا. وقد تم ذكره أيضًا بين آباء الكنيسة في مجمع نيقية عام 325 م، والذي سمي قانون الإيمان النيقاوي على اسمه.
إذا كان نيكولاس موجودًا بالفعل في المجمع، فمن المحتمل أنه التقى بالقديس هاكوب، الذي يُقال إنه كان موجودًا هناك أيضًا. ويطلق الناطقون باللغة الإنجليزية عليه اسم يعقوب النصيبيني، على الرغم من أنه في اللغة الارمنية كلا من احد اباء التورآة يعقوب وايضًا القديس النيقاوي، يطلق عليهما اسم هاكوب. ويعتقد أنه كان قريبًا للقديس غريغوريوس المنور، الذي جعل الملك الأرمني يأتي إلى المسيح في حوالي عام 301 م. ونتيجة لذلك، أصبحت أرمينيا أول دولة مسيحية في العالم.
وفي الوقت الذي أصبح نيكولاس في نهاية المطاف بديلاً علمانيًا ليسوع، فإن هاكوب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنوح. تحتفل الكنيسة الرسولية الأرمنية بالقديس هاكوب في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر، ليس بسبب أي ارتباط بعيد الميلاد (الذي تحتفل به كنائسها في السادس من كانون ثاني)، ولكن لدوره المزعوم في إثبات تاريخية سفينة نوح.
لقد سرّ الكثير من الأطفال بحكايات الحيوانات التي صعدت إلى السفينة، لكنهم تحولوا فيما بعد إلى متشككين، وتساءلوا عن مصداقية هذه القصة المعجزية. لكن الشك بشأن الطوفان ليس بالأمر الجديد. في القرن الرابع، سمع هاكوب تقارير تفيد بأن السكان المحليين لم يصدقوا الرواية التوراتية عن نوح. وكان هو زاهدًا متجولًا، فقام بالبحث عن الأدلة بنفسه، وسافر إلى جبل آرارات.
بحسب التقليد، ظهر لهاكوب ملاك أثناء نومه بينما كان يستريح بالقرب من قمة الجبل، وترك الملاك له قطعة خشبية من سفينة نوح بجانبه. وهي محفوظة اليوم داخل صندوق يعود تاريخه إلى عام 1698، وفي أسفلها صليب ذهبي مزخرف، وقد تم حفظها في كاتدرائية القديس إتشميادزين في أرمينيا.
بالنسبة للعديد من الجماهير الغربية، فإن قصة نوح لا تذكرنا بأكثر من قصاصات من القماش على الواح في مدرسة الأحد. ولكن بالنسبة للأرمن، فهو يعتبر جدًا وطنيًا وشخصية ذات معنى سامي. في الواقع، أحد أفضل أندية كرة القدم في أرمينيا هو نادي إف سي نوح، والذي لعب مؤخراً مباراة ضد نادي تشيلسي الإنجليزي القوي.
تحدثت CT مع أربعة أرمن لفهم أهمية نوح بشكل اكثر شمولية لشعبهم، سواء كانوا يعيشون تحت ظلال جبل آرارات في جبال القفقاز أو في الشتات الأرمني الواسع. وقد شارك كل واحد منهم ذكريات الطفولة، ووجهات نظره حول التقاليد، والدروس المستفادة من نوح للإيمان المسيحي اليوم.
هراير جبجيان
الأمين العام الأرمني لجمعية الكتاب المقدس في الخليج، ومقرها في قبرص ويقيم في الكويت
لقد كانت قصة نوح والفلك رائعة بالنسبة لي عندما كنت طفلاً نشأت في الكنيسة الإنجيلية الأرمنية. إن حقيقة هبوط الفلك على جبل آرارات منحتنا شعوراً خاصاً بالفخر كأرمن، لأن أرضنا مذكورة في الكتاب المقدس. نحن شعب عريق.
ومع تقدمنا في العمر، تحول شعور الدهشة لدى البعض إلى تشكك: كيف سارت الحيوانات اثنين اثنين، وهل كان الطوفان حقاً عالمياً؟ ولكن كأرمن، لم نتساءل أبدًا عما إذا كانت هذه أسطورة أم حكاية خرافية، بل كانت جزءًا من الكتاب المقدس. وباعتبارنا إنجيليين، فإن الكتاب المقدس هو جوهر إيماننا وهو موحى به من الله.
الأمر مختلف مع القديس هاكوب. لقد سمي العديد من الأصدقاء باسمه، ونحن نقدم لهم تحيات خاصة في عيده الكنسي. لكننا نتعامل مع كل شيء خارج الكتاب المقدس باعتباره تقليدًا. نحن نحترم أهميته في تراثنا الأرمني، لكننا لا نعتبر قصته ضمن تعليمنا العقائدي. منذ صغرنا، تعلمنا أن نذهب مباشرة إلى أبينا السماوي بصلواتنا.
ولكن عندما أصبحنا بالغين، فإننا نرى تاريخ شعبنا في قصة نوح. إن الإبادة الجماعية الأرمنية عام 1915 كانت بمثابة طوفان، لكن الله أنقذنا وأنزلنا مرة أخرى إلى جبل آرارات. لقد تم ضم جمهورية أرمينيا الأولى إلى الاتحاد السوفييتي، لكننا نجونا، والجمهورية الحديثة تمثلنا اليوم. وكانت هذه الفيضانات من نوع مختلف وسياق مختلف؛ ونحن لا نقول أنها جاءت من عند الله. ولكن كما حدث مع نوح، أعطانا الله حياة جديدة كشعب.
وهذا ينطبق على الشتات أيضًا. لقد فقدت عائلتي 25 شخصًا منها في الإبادة الجماعية التي قتلت بالمجمل 1.5 مليون أرمني. وذهب الآلاف إلى بلاد الشام، والبعض الآخر إلى الغرب. لكننا نظرنا إلى بيروت باعتبارها نوعاً من جبل آرارات. وجد أجدادي، الذين نزحوا من تركيا، حياة جديدة في لبنان.
في واقع الأمر، كان تاريخنا مليئاً بالفيضانات – ارتفاعات وانخفاضات – حيث تعرضت أراضينا للغزو من قبل الفرس والبيزنطيين والعرب والأتراك والروس وغيرهم. ويستمر الفيضان حتى يومنا هذا، حيث قامت أذربيجان بتطهير أراضنا القديمة في ناغورنو كاراباخ، والتي نسميها آرتساخ، عرقياً من الأرمن. نحن لا نرى أنفسنا أبرارًا، كما يُدعى نوح في الكتاب المقدس. ومع ذلك، حتى في كتابة هذه المشاركة اليوم، فإنني أقدم الدليل على أن الله – كما فعل مع التابوت – قد حفظنا كشعب.
بول هايدوستيان
رئيس جامعة هايكازيان في لبنان واتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنية في الشرق الأدنى
سمعت قصة نوح عندما كنت طفل صغير جدًا في مدرسة الأحد، مصحوبة بصور قارب خشبي كبير وحيوانات تسير فيه، اثنين اثنين. الدرس هو أننا نعيش في عالم يبتعد عن الله، الذي رغم ذلك يدعونا إلى الأمان بينما ننتظر الخلاص. تمثل الحمامة البشارة السارة بالخلاص.
إن نوح، والفلك، والطوفان تعكس حدثًا تاريخيًا حقيقيًا. لكن وجهة نظرنا للسرد الكتابي تطورت جنبًا إلى جنب مع التطورات في فهمنا لله والإنسانية. لا ينبغي لنا أن نراجع التاريخ كما نفعل في المحاسبة، ولا يمكننا أن نفعل ذلك. ورغم أنه لا ينبغي لنا أن نقرأ الكتاب المقدس باعتباره كتاباً مدرسياً للتاريخ، فيتعين علينا أن نكون متواضعين بما فيه الكفاية للاعتقاد بأنه باعتباره كلمة الله، فإنه يتضمن تفاصيل ملموسة عن تاريخ الخطيئة البشرية ونعمة الله ــ وقصة الطوفان هي أحد الجوانب التوضيحية لهذا الموضوع.
إن تسجيل الحضارة الإنسانية هو جهد شخصي، وقد تكون الروايات الكتابية للعديد من الأحداث كذلك. باعتباري رئيس جامعة قسيس في كنيسة، فإنني مهتم في المقام الأول بمعانيها وكيفية ارتباطها بفهمنا الأرمني لذاتنا.
لقد تم ذكر جبل آرارات في أقدم وثائق التاريخ الأرمني. ويتحدث الكتاب المقدس عنها في صيغة الجمع، وقد عاش أسلافنا القدماء في المناطق المحيطة بقممها. إن وجودها الضخم فوق الحقول أدناه هو مصدر قوة عظيمة وأمل وفخر للأمة الأرمنية.
في حين أن نوح يمثل المصداقية والقيادة والطاعة لله، إلى جانب ايمانه بالوعد بأن الله يسمع صلوات الصالحين. هو سوف يكون إلى جانبنا إذا بقينا متوافقين مع صلاحه. وبما أننا نعتقد أن السفينة استقرت على جبل يقع الآن على الجانب التركي من الحدود، فإن قصة نوح تذكرنا أيضاً بخسارة أرضنا والإبادة الجماعية للأرمن. وهذا تذكير دائم بالظلم المستمر، على النقيض من وعود الله بالخلاص.
ونحن، كإنجيليين، لا نختلف مع الأرثوذكس في هذه الأمور. وربما نجد المزيد من الدروس حول الحاجة إلى القداسة الشخصية. ولكن في مواجهة المعاناة الأرمنية على مدى قرون عديدة، بما في ذلك التطهير العرقي لشعبنا في تركيا وناغورنو كاراباخ، فإن القصة الكتابية تذكرنا جميعًا بضرورة الاستجابة من خلال الشهادة المسيحية الامينة. ومثل نوح قبل الطوفان، نحن ننتظر بصبر عدالة الرب.
آرثر أغاجانيان
مؤسس جمعية “المتأملين في الحوار” وعضو جمعية علماء المسيحية في تاريخ الفن
إن أهمية نوح بالنسبة للأرمن تنبع من فكرة الأرض المقدسة؛ فنحن نحترم جبل آرارات باعتباره رمزًا للصمود ورضا الله. ولكن باعتباري مواطنًا أميركيًا أرمنيًا، فقد نشأت منفصلًا عن الكثير من سياقه الكتابي، على الرغم من أن عائلتي كانت تنتمي إلى كنيسة أرمنية رسولية محلية. وعلى مر السنين، ورغم القصص الرائعة التي كانت تُروى في مدارس الأحد وعظات الكنيسة البروتستانتية، ظلت سفينة نوح بالنسبة لي ليس اكثر من حلقة ملونة في السردية العظيم للعهد القديم، مثل قصة داود وجليات أو يونان والحوت. بكل بساطة كانت القصة خيالية، ويبدو من المستحيل تفسيرها حرفيًا، وبالتالي كان من السهل رفضها.
ولم تتطور قصة نوح إلى ما هو أبعد من كونها حكاية للاطفال إلا بعد أن بدأت زيارة وطني الأصلي ودراسة المسيحية الأرمنية.
يقدم نصان أساسيان من القرن الخامس، وهما تاريخ أغاثانجيلوس وتاريخ الأرمن لموفسيس خوريناتسي، الطوفان كحدث حقيقي. ولكن بالنسبة لي فإن أهمية الفلك لا تكمن في مصداقيتها التاريخية، بل في صداها الأسطوري. تنقل الأساطير الحقائق الروحية وتقدم التوجيه في أوقات اليأس، جنبًا إلى جنب مع الطقوس والشعائر التي تقدم القوة والهدف عندما تقصّر موارد العقل العقلاني.
ربط احد أباء الكنيسة في القرن الرابع يوسابيوس القيصري بين نوح والأرمن من خلال حفيده توغارماه، والد مؤسس الأمة القديم هايك. ولكن على المستوى الأسطوري، فإن دمج هذه الشخصيات في سلالة توراتية هو تناسب إبداعي لسلالة مقدسة تهدف إلى تمييز أرمينيا عن جيرانها. وباعتبارنا شعبًا يتضمن تاريخه النزوح والنضال من أجل البقاء، فإن هذا يمنحنا شعورًا عميقًا بالاستمرارية والانتماء.
وتؤكد الكنيسة الرسولية على حقيقة تابوت العهد التاريخية مع قبول أهميته الأسطورية، وهو أمر لا يتناقض مع ما سبق. إن هذه العدسة متعددة الأبعاد تغرس في النص المستلم تقاليد تتجاوز الحرفي بكثير. وتصبح رحلة نوح رمزًا للخلاص والتجديد الروحي والولادة الجديدة بعد الكارثة. ويصبح الطوفان استعارة للتطهير، ويصبح الفلك رمزًا للجوء روحي، كما أن البناء الكنسي تتصور الكنيسة باعتبارها سفينة تجسد رحلة الإيمان. وقد افترض آخرون أن القبة المدببة المميزة للكنيسة الأرمنية قد تكون إشارة إلى جبل آرارات نفسه.
ولماذا لا يكون كذلك؟ أدى وصول الفلك إلى منح الجبل القداسة، ومن هذا الأساس المقدس انطلقت الكنائس الأرمنية. تم بناؤها من نفس الأرض التي لمسها هذا الإرث الإلهي، وهي تستمر في دعم روح الهوية الأرمنية اليوم.
كريستين تانيليان
مديرة فرع لبنان لجمعية جينيشيان التذكارية، المخصصة للتخفيف من حدة الفقر والدعم الروحي للمجتمع الأرمني المحلي
نظرًا لأنني نشأت في الكنيسة الرسولية الأرمنية، فقد كانت القصة التوراتية لفلك نوح تحمل دائمًا أهمية عميقة بالنسبة لي. إنه جزء لا يتجزأ من هويتنا الأرمنية المسيحية، وهي قصة عزيزة تناقلتها الأجيال. في مجتمعنا، يتم سرد قصة الفلك في كثير من الأحيان عند ذكر جبل أرارات، لأن الاثنين لا ينفصلان في وعينا الجماعي.
على الرغم من أن جبل آرارات يقع الآن تحت نفوذ تركيا، إلا أنه يظل رمزًا للالهام والتطلعات بالنسبة للأرمن. إن قصة الفلك راسخة بعمق في تراثنا، وتمثل امتيازًا إلهيًا بايواء السفينة التي حملت عائلة نوح. تُعرف المنطقة الواقعة عند سفح الجبل باسم نخجوان، وتعني ”النزول الأول”، مما يعكس ارتباطها برحلة نوح. وتقع هذه المنطقة الآن ضمن أراضي أذربيجان، لكن كثيرون يأملون أن يتمكن شعبنا من استعادة السيادة على الأراضي التوراتية داخل أرمينيا التاريخية.
يدور احتفال أحد الأعياد الرئيسية للكنيسة الرسولية الأرمنية، فاردافار، بهذا الارتباط من خلال تقليد رش – وفي بعض الأحيان غمر – بعضنا البعض بالماء. تم ذكر هذه الممارسة في كتاب أفانداباتوم (كتاب الحفاظ على التقاليد الأرمنية)، وقد بدأها نوح بعد نزول الفلك للأجيال القادمة لتذكر حماية الله. يتم الاحتفال بيوم فاردافار كل عام في شهر تموز، وقد ارتبط لاحقًا بتجلي المسيح.
ويكتسب هبوط فلك نوح على جبل أرارات أهمية أكبر عندما ننظر إليه في سياق أحداث محورية أخرى. وتعلّم الكنيسة الأرمنية أن أرض آرارات، التي أصبحت مهد البشرية، تباركت فيما بعد بتعاليم تلاميذ المسيح القديسين تداوس وبرثولماوس. تقول التقاليد أن تداوس وصل إلى أرمينيا في عام 43 م، بينما وصل برثولماوس في عام 66 م. ويقال إن كلاهما استشهدا في أرمينيا، وتم إنشاء أديرة لكل منهما في شمال إيران وجنوب شرق تركيا على التوالي – والتي كانت آنذاك جزءًا من مملكتنا التاريخية.
وعلى النقيض من بعض المجتمعات المسيحية التي تشكك في تاريخية فلك نوح، فإن الكنيسة الأرمنية، إلى جانب الطوائف الأرثوذكسية الشرقية الشقيقة، تتمسك بها كحقيقة لا يمكن إنكارها، أكدها يسوع المسيح في إنجيل متى 24. عن طريق الرمز إلى إيمان نوح الثابت وقربه من الله، هي تمثل خلاص العائلة البشرية الوحيدة التي نجت من الطوفان – وهو استعارة ثابتة للحياة الأبدية. وكما صمد الفلك في وجه العاصفة وحمل ركابه إلى بر الأمان، فإن إيماننا يعلّمنا أن الخلاص يأتي فقط من خلال المسيح وعضويتنا في الفلك الجديد – الكنيسة – التي تقودنا من حياة إلى حياة.