في عرض نادر من المقاومة الجريئة، خرج آلاف الغزيين الى الشوارع في مدينة بيت لاهيا في شمال القطاع وفي مدن أخرى في الأسابيع القليلة الماضية، يطالبون فيها حماس ان تتنحى وتنهي الحرب.
وتُظهِر فيديوهات من الاحتجاجات التي ابتدأت قبل أسبوعين، ان المتظاهرين ينادون” برّه برّه بره! حماس اطلع برّه!” ويحملون لافتات عليها الكلمات “حماس لا تمثلنا”. دامت المظاهرات ثلاثة أيام قبل ان تستمر احتجاجات متفرقة الأسبوع الماضي.
وأعرب المتظاهرون عن غضبهم على حماس التي تحكم غزة منذ 18 عامًا، بعدما أوقفت إسرائيل ادخال المساعدات الى غزة واستمرت في قصف القطاع في 18 أذار، وبهذا انهت وقف اطلاق نار استمر لمدة شهرين. وادّعت إسرائيل ان رفض حماس لشروط تمديد الهدنة حذت بإسرائيل ان تستمر في هجوماتها. ومنذ بدأت الحرب قامت الغارات الجوبة الإسرائيلية بتسطيح مدن كاملة وقتلت عشرات آلاف الفلسطينيين، المقاتلين منهم والمدنيين، في غزة.
وتستمر حماس في السيطرة على غزة رغم مقتل الآلاف من جنودها وعدد من القياديين الأساسيين خلال شن اسرائيل لحملاتها. وقد رفضت ايضًا ان تطلق سراح الرهائن الأربعة وعشرين الباقين الذين يفترض انهم ما زالوا على قيد الحياة.
“ان حماس تتخوف من هذه المظاهرات”، يقول إيهاب حسن وهو فلسطيني مسيحي وناشط حقوق انسان مركزه في العاصمة واشنطن. ويقول حسن، الذي ترعرع في الضفة الغربية، انه تواصل مع على الأقل عشر متظاهرين خلال الأسابيع القليلة الماضية. وقال له أحد الفلسطينيين انه مستعد لدفع ثمن التظاهر لأنه يرغب في اتخاذ موقف ضد حماس والحرب.
لكن أعضاء الطائفة المسيحية قليلة العدد التي بقيت في غزة لا يشتركون في المظاهرات، كما يقول. الكثيرون يستمرون في طلب الحماية من القذائف الإسرائيلية في الشمال وفي تجنب الحركات السياسية لأنهم يشكلون اقلية في القطاع.
ان التظاهر في غزة هو فعل فيه مخاطرة، اذ ان حماس كانت قد قمعت الانتقاد والاحتجاجات. قام ناشطو حماس عام 2017 و2019 بتعذيب مئات الفلسطينيين الذين تظاهروا ضد ظروف القطاع الاقتصادية السيئة وكبتت حماس التغطية الإعلامية للاحتجاجات. وكانت المظاهرة الأحدث قد حدثت قبل شهرين فقط من هجوم حماس في 2023.
وهذه المرة خطفت عناصر حماس وعذبت متظاهر عمره 22 عامًا اسمه عدي الرباعي الذي توفى بعد وقت قصير من وصوله المستشفى. وهددت عناصر حماس ان تفعل ذات الامر لفلسطينيين آخرين ممن انتقدوا حماس، بحسب النيويورك تايمز.
منذ ان بدأت الحرب فقد تضاءل عدد المسيحيين الغزيين الذي بلغ 1000-1200 شخص الى 600-700 بحسب خليل صايغ وهو فلسطيني مسيحي ومحلل سياسي عاش في غزة حتى 2009. انه باتصال يومي مع اخته الكبرى وأبناء عمومته في غزة.
ويقول ان المسيحيين في غزة يعانون اذ يواجهون النقص الغذائي بسبب الحصار الإسرائيلي الذي طال ستة أسابيع.” الأحوال تتجه باتجاه مجاعة” كما يقول، ويذكر ان جيرانه المسلمين يأتونهم ايضًا الى الكنيسة بسبب حاجتهم.
ان اغلب المسيحيين الذين تركوا الى مصر منذ بداية الحرب لا يريدون العودة. بذات الوقت، فان المسيحيين الذين بقوا في غزة عادوا الى بيوتهم في الشمال خلال وقف إطلاق النار لمدة شهرين والتي بدأت في كانون ثاني (يناير)، كما يذكر صايغ.
والآن حيث ان وقف إطلاق النار انتهى وأصدرت إسرائيل أوامر اخلاء جديدة، فلم يتبقى للمسيحيين مكان ليذهبوا اليه. في الأسبوع الماضي فجّرت غارة جوية إسرائيلية بيت عائلة مسيحية كما يقول صايغ. لكنهم نجوا اذ لجأوا في الكنيسة.
لكن إيجاد مكان للجوء في احدى الكنائس الثلاثة في مدينة غزة لا يضمن الأمان. ومات على الأقل 17 مسيحيًا بعد غارة جوية على مجمّع كنيسة القديس بوروفيوس للروم الارثوذكس التي تعتبر ثالث اقدم كنيسة في العالم. ادّعت إسرائيل انها استهدفت مركز القيادة المجاور التابع لحماس.
ويقول صايغ ان ثلاثين مسيحيًا على الأقل ماتوا منذ بدأت الحرب. أصبح والده أحد ضحايا الحرب حين أصيب بنوبة قلبية في كانون اول (ديسمبر) 2023 حين كان لاجئًا في كنيسة العائلة المقدسة للاتين وهي ايضًا في مدينة غزة. لقد حاصرت الدبابات الإسرائيلية مجمّع الكنيسة ومنعت والده من تلقي العلاج الطبي، حسبما قال.
ونزفت ام وابنتها حتى الموت بعد ان علقت في منطقة استهداف نيران القناصة في ذات مجمّع الكنيسة في 2023. ونكرت إسرائيل انها استهدفت عمدًا النساء او الكنيسة لكنها اعترفت بتبادل إطلاق النار مع عناصر حماس في المنطقة.
ويواجه المسيحيون تحديات جراء اسلمة غزة كما يقول صايغ. ويحارب كل من صايغ وحسن الشائعات التي يعتقدان انها عرّضت المجتمع المسيحي للخطر. مثلا، يقول حسن انه في الخريف السابق ادّعى ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي زورًا ان المسيحيين في غزة تعاونوا مع إسرائيل لكي يسقطوا منشورات عن الانجيل من طائرات الى غزة مما قاد لتعقيبات غاضبة ضد المسيحيين.
حين شرح صايغ ان المنشورات جاءت من المستشفى المعمداني فر غزة ولم يكن لها أي علاقة مع إسرائيل، قام الناشط بشطب البوست لكن الاشاعة كانت قد انتشرت من خلال مواقع انترنت عديدة مرتبطة بحماس.
“كنا قلقون انه من الممكن ان يقود الامر الى هجوم على الكنيسة”، يقول حسن.
ويقول صايغ ان فلسطينيين كثر في غزة مستعدون لزوال حماس وهذه المظاهرات هي “علامات غير مسبوقة” ان الفلسطينيين قد سئموا. وقد وجد استطلاع لخدمات أبحاث الزغبي في 2024 انه بينما وجد 85% من المستطلَعين في غزة ان إسرائيل مسؤولة عن الصراع الحالي، فان 87% يؤمنون ان حماس هي الملومة.
يقول حسن ان للمتظاهرين رسالة واضحة لحماس: ان ما تفعلونه يخطّر حياتنا مقابل لا شيء”
