لقد تمت ملائمة هذا المقال من الأصل لرسالة راسيل مور الاخبارية. اشترك هنا.
بعد القصف الأخير لإسرائيل على إيران، أخبرني صديق عن أحد الوُعّاظ اكدّ ان روسيا قد تكون جوج وماجوج المذكورين في سفر حزقيال، وان ايران قد تكون احدى الأمم المعادية التي صوّرها الأنبياء، وان كل هذا قد يُشير الى نهاية العالم الحرفية الوشيكة.
“هل سنفعل ذلك مرة أخرى؟” قال صديقي.
وقصد ب- “هذا”، ربط خرائط النبوات في الأحداث الجغرافية – سياسية العصرية بطرق تترك الجماهير في حال نشوة او رعب ومن ثمَّ منهكة وحتى ساخرة.
عادة تتخطّى حمى خريطة النبوات عن جيل واحد. فقد نشأ جيل وهو يسمع بوضوح تام، ان الكتاب المقدس يعلّمنا انه لن يمر أكثر من أربعين عامًا ما بين تأسيس دولة إسرائيل والمجيء الثاني- لكن أصبح قول ذلك أكثر صعوبة بعدما مرّ عام 1988.
سيكون من الصعب على جيل اعتاد ان يسمع ان الاتحاد السوفييتي هي على الاغلب جوج وماجوج ان يسمع بنفس الثقة ما يقال بأن العراق هي بابل الجديدة، وان صدّام حسين هو نبوخذ نصر الجديد، ومن هنا فان الاختطاف قريب للغاية.
لكن، رغم ذلك، تعود جداول النبوات وتظهر دائمًا، وفي النهاية تعود وتكسب لها جمهورًا يصدقها. لماذا؟ بحكم الطبيعة البشرية المعقّدة بطبعها، يجب الا يستغرب المرء ان هناك اسبابًا ساخرة أكثر وأخرى ساخرة اقل.
حذّر الرسول بولس من الزّمن الذي لا يحتمل فيه النّاس “التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، وينحرفون الى الخرافات”. (2 تيم 4: 4).
احيانًا يتكلم الكتاب المقدس عن تلك “الاذان المستحكة”، كتلك التي تسعى للهرطقة او لتبرير الخطية. وفي أوقات أخرى، لا تكون المشكلة هي التناقض الصارخ في الكتاب، انما “المباحثات الغبية، والانساب، والخصومات، والمنازعات الناموسية” (تيطس 3: 9) ، او الانجذاب نحو ” المماحكة بالكلام. الامر غير النافع لشيء، لهدم السامعين” (2 تيموثاوس 2: 14).
الآذان المستحكة لا تعني بالضرورة، مجموعة من النّاس تريد امرًا شريرًا، ولكنها تشير الى من يبحثون عن شيء مشوّق. هم يتوقون للحصول على الشيفرة التي تفكّ ماذا يحدث فعلًا، وهي بذلك تكشف لهم أنّهم جزء من الجيل الأخير الباقي والذي يقف في نقطة نهاية كل شيء- يمكن ان يكون ذلك مثيرًا ومخيفًا في ذات الوقت، مثله مثل فيلم رعب او لعبة القطار الافعواني في مدينة الملاهي.
كتب والتر بيرسي ان لدى الناس العصريين ميل الى حب مستتر للكوارث لان إعصارًا او هزّة أرضية تجعل الانسان يشعر فجأة انه حيّ. يناقش بيرسي ان ما يقتلنا هو ليس الخطر إنّما الشعور في انعدام المعنى، للحياة اليومية. ان الشعور ان كل شئ يتهاوى قد يصعقنا خارج ذلك النوع من الجمود.
يتأمل بطل رواية بيرسي “الجنتلمان الأخير” ويل باريت في مدى سعادة والده حين تذكّر قصف بيرل هاربور. لم يكن ذلك لأن والده كان سادّيًا او مازوخيًا. ولكن حين فكّر في بيرل هاربور، وجد فجأة هدفًا وحياة. “الحرب أفضل من الاثنين صباحًا”، هذا ما خلُصَ اليه ويل.
عبارات مثل “اعرف ان ما يحصل هو أسوأ ما يكون، لكنه سوف يؤدّي الى أفضل ما يكون” سوف تجذب جمهور مستمعين أكثر من عبارات مثل “لا يأتي ملكوت الله بمراقبة، ولا يقولون: هوذا ههنا، او هوذا هناك لان ها ملكوت الله داخلكم” (لوقا 17: 21-20).
أضف الى ذلك الظاهرة التي أشار اليها الراهب توماس ميرتون مرّة بأنها ” تعامل ذهني مع الثعبان”. تساءل ميرتون لماذا تأخذ كنائس صغيرة، منعزِلة، مثابرة الافاعي المجلجلة في خدمتها. بحسب قوله، هم يفعلون ذلك لأن النجاة من الافاعي هي اثبات آني ان الله راضٍ عن ذلك الشخص. اليوم هو يوم الدينونة، هو مرئي ومحسوس.
يبحث الناس احيانًا عن صدمة كهذه – بالمعنى المجازي وفي احيان بعيدة ايضًا بالمعنى الحرفي- حين تكون حياتهم مملة وفيها روتين مبالغ به او احيانًا عندما تفتقر الى هدف ومعنى.
“في تعابير مسيحية، ان هذا التعامل الذهني مع الافعى هو محاولة لتجنب الحكم، حين يوعز لنا ضميرنا بشكل غامض اننا تحت الدينونة”، حسبما كتب ميرتون. “انه بمثابة اللجوء لفعل طقسي وجريء، ايماءه سحرية مرئية يمكن أن يميّزها الآخرون، بذلك نثبت لأنفسنا اننا على حق، وان الصورة صحيحة، وان صوابنا لا يمكن الجدل فيه ومن يجادل فيه فهو من للشرير”.
حياة الايمان صعبة. على المرء ان يتقدّم الى الامام وان يتبع صوت لا يمكن ان يسمعه صوتيًّا، نحو مستقبل لا نستطيع التحكم فيه. يتوجب ان يوكل المرء حياته الى رحمة الله التي تجلت في الصلب، القيامة والصعود التي كان شاهدًا عليها شهود عيان غيرنا، ونحن سمعنا عنها، فوجدنا انها حقيقية. انه يقين حيث تتلاءم فيه احداث نحن نثمنها مع الخطة النهائية، ويقين اننا في الطرف الصحيح لكل ذلك، وهذا يجعلنا نشعر ان ذلك الايمان هو كالعيان. على الأقل لوقت قصير.
أضف الى ذلك الوضع المرعب الذي يبدو أنه خارج سيطرتنا. ماذا سنفعل بما يتعلق بإيران؟ لا اعرف. احتمال حدوث حرب اقليمية مع ايران التي قد تكون نوويّة، كافية لتضع اعصابنا على شفا الانهيار.
يمكننا ان نتجادل حول ما كان يجب ان تفعله الولايات المتحدة او ان تفعله في المستقبل، رغم ان الحلول البسيطة مستحيلة وكل احتمال يبدو محفوفًا بالمخاطر. نظرًا لسهولة وسرعة إمكانية تصعيد العداء، فانه ليس من غير المنطقي ان نقلق حول إمكانية حدوث حرب عالمية ثالثة.
لا يريد كثير من الناس حرب أخرى ولا يريد كثيرون إيران نووية. التوصل الى الهدفين يتطلب الحذر من المخاطر وسيتطلب الحكمة والتعقل، وهما سلعتان نادرتان في هذا الزمن السطحي والمستخِف.
هذا يعني انه لا توجد لدينا إجابات بسيطة. ان هذا مقلق، ويضع على كل منا مسؤولية ثقيلة لاتخاذ القرارات الجيدة والعادلة- لو امتدّ التاريخ لترليون سنة إضافية او انتهى غدًا.
هل ستوصلنا إيران الى حرب عالمية ثالثة؟ لا اعرف. او حتى أكثر من ذلك- هل ستكون تلك اللحظة التي نرى فيها، كما وعد يسوع، مجيئه على السحاب؟ لا اعرف ذلك ايضًا.
نحن نريد أن نرى علامات يمكن أن نتعقبها، وأن نسمع صوت حوافر يمكن ان نعرف منها ان الدينونة النهائية آتية علينا. لكن يسوع يقول لنا ان ما يتوجب ان يهزّنا حول رجوعه هو ليس الدراما التي تقود الى ذلك، لكن الحياة الرتيبة. سيجد الناس وهم يزوجون ويتزوجون ويقومون باعمالهم، حسب ما قال (متى 24: 44-36).
هذه الرتابة تجعل الناس تستنتج، مثلما حذر الرسول بطرس، ان كل شيء سوف يستمر كما كان دائمًا. سوف يسألون: “اين هو موعد مجيئه؟ لأنه من حين رقد الاباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة” (2 بطرس 3: 4).
ان شعور الارتياح الوهمي وحتى الملل يرتفع عمليًا بمرور الوقت بسبب الوعد بعد الآخر ان هذه المرة- اني فعلًا متأكد من ذلك- وصلنا اخيرًا الى شفا الهاوية.
ان النواة الداخلية من تلاميذ يسوع ارادت فقط ما نريده نحن: مُخَطط لنبوات محددة والتي يمكن ختمها بالوقت والتاريخ بالأحداث. لكن يسوع لم يعطِهِم إياها. انما قال لهم الا يثقوا بمن يقول لهم ان باستطاعته القيام بذلك (مرقس 13: 23-21).
قال يسوع:” فاذا سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا لأنها لا بد ان تكون ولكن ليس المنتهى بعد” (عدد 7). وأضاف انه في الوقت الذي بين صعوده ومجيئه الثاني سيكون هادرًا بمخاض الولادة، لكن ليس بحوزة أي منا جهازًا للأمواج الصوتية ليبلغنا متى وأين.
هل نحن في الأيام الأخيرة؟ نعم. كل شيء بدءًا من القبر الفارغ فصاعدًا هي الأيام الأخيرة (عبرانيين 1: 2). هل من الممكن ان يرجع يسوع في أي وقت؟ بالتأكيد. لكن هل يمكن رصد ذلك المجيء استنادًا للجدول الزمني لقصف اسرائيل وإيران؟ لا.
يجب ان نتصرف في كل لحظة، في وقت السلم او الحرب، كما لو اننا على بُعد جزء من الثانية من يوم الدينونة. لكن لسنا نعرف متى ذلك.
بدلًا من ذلك- لدينا عبارة يسوع ان الملكوت تتقدم بشكل غير مرئي مثلها مثل الخميرة او الدقيق. ولدينا وعد يسوع انه لن يتركنا يتامى. هو سيأتي ليأخذنا (يوحنا 14: 18).
هذا هو جدول النبوات الذي نحتاجه.
راسيل مور هو رئيس التحرير في “المسيحية اليوم” ويقود مشروع اللاهوت العام.