في بداية تشرين اول وفي قرية مسيحية في جنوب لبنان، قررت سميرة (اننا نستخدم أسماء مستعارة نظرًا للوضع السياسي) ان تسقي أشجار الليمون خاصتها. كانت الرياح الخريفية جافة هذا الموسم. وكان المطر شحيحًا. هذه الجدة الرقيقة المنحنية ملأت دلوها وانطلقت الى الخارج.
كان زوج سميرة قد مات قبلها بسنتين. وكان أولادها قد انتقلوا بعيدًا قبل وقت طويل ليبحثوا عن إمكانيات افضل في بيروت، ولكن ابنتها ملكت البيت المجاور وقامت برحلات متكررة للعودة ومؤخرًا غيّرت الديكور الداخلي للبيت بتصميم حديث. احبت سميرة شراشف الاسرّة في الغرف التي نام فيها احفادها احيانًا.
لكن هذه الزيارات لم تعد كثيرة هذه الايام. قبلها بسنة دخل حزب الله الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في غزة عن طريق إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وقام إسرائيل بالرد وادى تبادل اطلاق النار بين الميليشيا الشيعية وإسرائيل الى نزوح الآلاف من بيوتهم في جهتي الحدود. وفي نهاية أيلول زادت إسرائيل من حملتها الهجومية ضد مواقع مشتبهة لحزب الله في انحاء البلاد. ولكن سميرة بقيت مصممة ان قريتها المسيحية غير مستهدَفة.
كانت سميرة قد بدأت في سقي أشجار الليمون، حين تحول كل ما حولها الى اسود. لقد تم قصف مجلل على القرية وزجت قوة هوائية ضاربة الفناء الخلفي لبيتها. لقد أصاب صاروخ إسرائيلي بيت على بعد ثلاثة بيوت عنها. كانت عائلة شيعية قد استأجرت ذلك البيت قبلها بعدة ايام.
حين استعادت رباطة جأشها، قامت سميرة بمسح التراب الذي غطى وجهها. لقد حمتها الشجرة من أصعب ما كان من الممكن ان تسببه الضربة فمشت متعثرة الى داخل البيت فوق قطع الزجاج من النوافذ المحطمة. لقد صارعت لكي تتمكن من ان تتنفس.
من خلال مرآة متصدعة وقعت على الأرض ، ايقنت سميرة ان الغبار الأبيض غطاها من رأسها الى قدميها. لقد أوقعت الإصابة الستائر واسقطت الخزائن عن الجدران وقد سكبت المحتويات في كل صوب. بعد ان وجدت صندوق الدواء، حملته وذهبت به الى البيت المجاور. لقد كان صهرها في البلد لكنه لم يُصب بأذى ولكن الهجوم سبب ضررًا للبيت. اثر هذا انتقلت سميرة الى بيروت.
بذات الوقت، قاد نزوح الشيعة من الجنوب الى تفاعلات صعقت الكثير من المسيحيين اللبنانيين. فلقد زارت “جانيت” وهي عاملة مهنية في المجال الطبي الملجأ الحكومي في مدرسة حكومية مقابل بيتها في بيروت. ووجها الحارس الى امرأة في مقتبل العمر تتوشح بلباس اسود، اذ قد مات زوجها للتو في الحرب. توجهت لها جانيت لكي تقدم لها العزاء ولكنها قوبلت على الفور بالرفض.
“لا تقدمي لي التعازي وانما باركي لي” قالت لها الارملة.” زوجي الآن في الجنة لأنه شهيد ايمانه. يا ليت ابني يتبارك بنفس الطريقة”.
صُعقت جانيت ولكنها خرجت من صدمتها وأنهت الحديث بشكل مؤدب. لقد كان لها اصدقاء مسلمين وبضمنهم من الشيعة في دائرتها الاجتماعية ذات طابع الطبقة الوسطى والأغلبية العلمانية. رغم انها كانت تعي قناعات حزب الله لكنها لم تسمع ابدًا شخص ما يتحدث بهذه الطريقة في الماضي.” ان لدينا عقلية مختلفة تمامًا” قالت.” كيف بإمكاننا ان نتشارك في دولة واحدة؟”
قبل ان تطالب فرنسا بالانتداب على لبنان بعد الحرب العالمية الأولى، كانت الإمبراطورية العثمانية هي المتحكمة بالمنطقة والتي كانت تعتبر احيانًا كجزء من سوريا. ومنذ ان حصلت لبنان على استقلالها عام 1943، كانت الدولة تتنقل ما بين حرب اهلية وبين سياسة الطوائف بينما ادارت تعددًا دينيًا في مسعاها لأجل الهوية الوطنية.
الامر القادم على جدول الاعمال هو اختيار رئيس الجمهورية من قبل البرلمان الوطني. بحسب التقليد السياسي فانه يتوجب ان يكون رئيس الدولة مسيحيًا مارونيًا لكن الأحزاب المتحالفة مع حزب الله قد تركت هذا المكان شاغرًا لمدة اطول من سنتين، وقد أصرّت ان يكون المرشح له موافقًا على الاجندة الخاصة بهم. ان التصويت البرلماني القادم- وقد فشل بعض منها سابقًا- قد حدد لتاريخ 9 كانون ثاني.