مدينة النّبطيّة ذات الأغلبية الشيعيّة في جنوب لبنان، افتخرت مرّة بأكبر شجرة عيد ميلاد في الدولة، التي نُصِبَت لتعبّر عن العلاقات الطّيِّبة بين أهل البلد المسلمين والأقلية الصغيرة من المسيحيين والمؤلّفة من 20 عائلة فقط.
المدرسة الإنجيلية المحليّة- ذات الجسم الطّلابي الذي يتكوّن بنسبة 99% من المسلمين- احتفلت في العيد على مدار سنوات، وفي سنة 2018 قامت في بناء هيكل مخروطي من الحديد المطاوع بارتفاع 99 قدم، تتربّع في قمّته نجمة متلألئة. (استعمال أشجار التنوب والصنوبر غير شائع في لبنان). العديد من مئات الطلاب، الأهالي، الجيران وكبار الشخصيّات في الحفل اعتمروا قبعات سانتا- كلوز. كما ازدانت بيوت الكثيرين في شجرات عيد الميلاد وهدايا تنتظر الفتح.
في وقتٍ سابق من كانون الأول، واصل السّيّد أحمد كحيل، رئيس البلديّة المنتمي لحزب الله، في التّقليد السنوي لنصب شجرة ميلاد أصغر في السّوق، سوق البلد التقليدي وقلب المدينة النّابض. في كلا الحفلين- جنبًا الى جنب مع شادي الحجّار، مدير المدرسة الانجيليّة الوطنيّة (NESN)، رؤساء مدارس خاصّة أخرى في المدينة، ومختلف شخصيات رسمية من جهات حكوميّة ودينيّة- قدّم خليل أمنياته لعيد ميلادٍ سعيد.
في أعقاب ازمة لبنان الاقتصادية، كانت سنة 2018 آخر مرة تمكنّت NESN من إقامة حفل نصب هيكل شجرة عيد الميلاد الضخم ذاك. لكن في السّنوات التالية، تميّزت صفوف المدرسة الابتدائية في شجرات الميلاد، تبادل الطلاب هدايا سانتا السّرّي، وتمتع المعلمون في المشاركة في حفل عشاء العيد السنويّ البهيج. “إن لم يكن الميلاد موجود في قلوبكم” ذكّرت المدرسة “فأنت لن تجده تحت شجرة”.

لكن لم تقام ايّة احتفالات في النّبطية في الشّهر الماضي، في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحزب الله. في الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) سنة 2023 أطلقت القوّات الشّيعيّة الصّواريخ في اتجاه إسرائيل لتدعم حركة حماس على أثر هجومها الذي أودى بحياة 1200 اسرائيليّ وأخذ ما يقارب ال-250 رهينة. وتلاه إطلاق صواريخ متبادلة من الطّرفين أدى الى رحيل عشرات الآلاف من سكّان منطقة الحدود من كلا الشّعبين.
بعد سنة، هرب معظم سكان النّبطيّة التي تعد 80000 نسمة من بيوتهم عندما عززت إسرائيل حملتها العسكريّة ضد حزب الله. في السادس عشر من تشرين أوّل، أصاب صاروخ إسرائيلي قاعة بلدية مدينة النّبطيّة وقتل في هذه الغارة خليل كحيل وعشرة أشخاص ممن كانوا ينظّمون توزيع المؤن والأدوية اليومي للمائتَيّ عائلة التي بقيت في المدينة والتي تم اخلاء الاغلبيّة السّاحقة من سكّانها.
في البداية، بقيت NESN فاتحة أبوابها لل-1400 طالب. حازت تلك المؤسسة الإنجيلية التّاريخية، الواقعة على بعد 35 ميل من بيروت و7 أميال عن إسرائيل، على احترام المحليين على مدى السّنين لتوفيرها بيئة تعليميّة لا- طائفيّة لكنها مبنية على القيم ممّا خوّلها أن تكون بين اعلى المدارس الثانوية في تدريجها في كل لبنان. لقد أخّر هجوم “البيبر” في ايلول من سنة 2024 افتتاح السّنة الدّراسيّة، وفي النهاية وعلى أثر خروج أهل المدينة منها تحول التّعلُّم ليكون عن بُعد. لكن خلال أسبوع فتحت NESN أبوابها لتكون ملجأً لمن تمَّ اخلاؤهم من المحلّيين.
خلال الحرب، وقف طاقمها الى جانب المجتمع الشّيعي، بضمنهم شخص الذي أنقذ زميل خليل بعد ضربة السّادس عشر من تشرين أوّل.
“عندما ترى مدينتك مُدَمَّرة والخراب في المدرسة” قال حجّار ” عليك أن تسأل: لماذا يحدث هذا مع أولئك الذين لا علاقة لهم في الأمر؟”.
ملجأ آمن
في مرحلة مبكّرة من الحرب، تجنّبت النّبطيّة الاستهداف الإسرائيلي. لكن في كل مرّة أصاب فيها صاروخ المنطقة المحيطة، هرول طلاب المدرسة للاحتماء تحت طاولات الدراسة خاصّتهم من جراء هول صوت الانفجار. وكان الاهل يهاتفون المدرسة NESN لأخذ أولادهم من المدرسة. لكن بعد بضعة أسابيع، أصبحت الحرب هي الحال الجديد المُعتاد لدى اهل البلد. حيث اقنع حجّار الأهالي أنّ المدرسة هي المكان الأكثر أمانًا.
خارج دائرة المدرسة هناك رواية مختلفة. في 14- شباط، قُتل محمود عمرو، طالب في روضة NESN، أمه وخمسة مدنيين آخرين في بيوتهم من جراء ضربة صاروخ إسرائيلي. كان هدف الصاروخ الإسرائيلي الشّقة في الطابق تحت بيت محمد، حيث كان علي الدّبس، قائد متقدّم في حزب الله، موجودًا حينها. إسرائيل اتهمت الدبس انه العقل المدبّر للهجوم الإرهابي عبر الحدود قبل ذلك بسنة والذي جُرح فيه مدنيّون. أعلنت NESN عن يومي حداد على عمرو ومنحت أهله منحة كاملة من صف الروضة وحتّى صف 12 لأخيه حسين البالغ اليوم الثلاث سنوات من العمر. اما مشروع جمع الأموال الرمضاني السنوي للمدرسة، فقدم لهم جهاز أيباد.
مع استمرار الحرب، فقدت NESN ضحايا اخرين من مجتمعها الصّغير هذا. حسب مدير المدرسة، قتل صاروخ إسرائيلي اخت احدى معلّمات صفوف الروضة والتي تسكن بجانب مكان الهدف الذي صوّب اليه الجيش الإسرائيلي، كذلك حصد صاروخ آخر حياة شقيق ممرضة المدرسة، وهو مضمّد مرتبط مع حزب الله. خسر أربعة معلمين بيوتهم وهي بضمن الأضرار الجانبيّة التي نتج عنها خسائر مدنية بقيمة 1.5 مليار دولار امريكي من لمدينة النّبطيّة، بحسب تقرير البنك العالمي.
في 12 تشرين أول، قصفت إسرائيل السوق وأهداف أخرى في النّبطيّة، بما في ذلك المبنى المجاور لـِ NESN. المنزل هو بيت اهل الرئيس المحلي لشبكة مدارس المصطفى التابعة لحزب الله، مع انه لم يكن أيًا منهم في البيت عندما تم قصف المبنى، كما قال الحجّار. ومن قوة موجات دفع الانفجار حُطمت نوافذ المدرسة وخُلعت الأبواب من مفصّلاتها. ومن الداخل، أدت الى خراب حواسيب، وأجهزة مسلاط (عاكس) ووحدات مكييفات. في موقف السّيارات، اصطدمت قطع من الكتل الاسمنتية بالحافلات والسّيّارات، مغطّيةً الإسفلت ومغلِّفةً القاعدة الحديديّة الثّابتة في الأرض لشجرة الميلاد.
وقد لجأ حوالي 30 نازح الى حرم المدرسة، حيث تم تزويدهم بالمؤن يوميًّا من قبل المسؤولين من البلديّة. وقد ترك المدرسة الكل ما عدا قليلين بعد القصف.

مدرسة مشهورة
تأسست مدرسة NESN على يد مُرسلين مشيخيين امريكان كمدرسة للبنات في سنة 1925، وذلك في مبنى مستأجر في السّوق من شيخ شيعي. رغم أن المرسلين أنشأوا غرفة قراءة للجمهور- الى جانب مرافق عامّة مثل نادي شطرنج وملعب الكرة الطائرة- لكنهم لم يبنوا كنيسة في النّبطيّة. بدلًا من ذلك ركّزوا على ارساليّة تعليميّة وانتقلوا سنة 1948 الى الحي المسيحي القائم منذ 400 عام. لكن المدرسة احتفلت دائما في ميلاد يسوع.
“صُدمت من مدى حُب الشيعيين لعيد الميلاد” قال حجّار، الذي أصبح مديرًا سنة 2013. “اختارت العائلات مدرستنا بسبب هذه الروح، بغضّ النظر عن انتمائهم الحزبي”.
وافق الاهل المسلمون، في الأصل، على تعليم الكتاب المقدّس في المدرسة، لكن قلّة قليلة قبلت الإيمان. لكن كانوا يقدّرون تعليم اللغة الإنجليزيّة وإمكانية الوصول للحضارة الغربيّة. في سنة 1972، قدّمت المدرسة، لأول مرّة في النّبطية، عرضًا للبرنامج الكرتوني – توم وجيري. اليوم تعود ملكية المدرسة للسينودس المشيخي المحلّي وهي ضمن اتحاد المدارس الإنجيليّة في لبنان.
في ذلك الوقت كانت هناك 100 عائلة مسيحيّة في النّبطيّة، لكن هرب كثيرون منهم مَثَلُهُم مَثَل جيرانهم الشيعيين عندما سيطر الفلسطينيون على الجنوب وهاجموا إسرائيل خلال الحرب الاهلية التي استمرت 15 عام، والتي ابتدأت سنة 1975. استمرّت المدرسة لكنها نقلت موقعها الى مدينة صيدا، التي تبعد 20 ميل في سنة 1982 عندما غزت إسرائيل لبنان لإخضاع المليشيات المسلّحة واحتلّت مدينة النّبطيّة للثلاث سنوات التالية.
خلال الحرب الأهلية تدخّل الجيران الشيعة عندما احتجز المسلحون الفلسطينيون المؤمنين المحلّيين. وعندما انتقل شيعيّون آخرون للسكن في بيوت المسيحيين المهجورة، قاموا بمساعدة المسيحيين العائدين في استعادة ممتلكاتهم. لكن مع صعود حزب الله، وتنامي الفكر الإسلامي اجبر NESN في إسقاط منهاج تعليم الكتاب المقدس من المقرر الدّراسي للمدرسة.
شمعون آساف، معلم تربية بدنيّة، هو واحد من ال 10% المسيحيين من الطاقم قال انه في الماضي احتجز الفلسطينيون أبيه. وكبالغ عمل على إزالة الألغام من حقول الألغام من فترة الحرب الأهليّة وتطوّع مع الصّليب الأحمر. لكن عندما انضم الى NESN، كان يتمتع في المشي لمسافة قصيرة في طريقه الى المدرسة كل صباح بدلً من ذلك. كان والد جدّه قد انتقل للعيش في النّبطيّة سنة 1890، فمن هنا كان آساف يعرف جيرانه خير المعرفة.
في تشرين أوّل، أصابت الصواريخ الإسرائيليّة في حيِّهِ على الأقل 15 بيتًا مالكيها مسيحيين، بينهم بيتًا يبعُد 10 أقدام من بيته، كما ادلى آساف لمجلة CT. وأصاب صاروخٌ آخر مبنىً عمره 100 سنة بجوار قاعة كنيسة صعود العذراء الكاثوليكيّة. أصدرت إسرائيل أول أمر إخلاء لها لمدينة النّبطيّة في 3 تشرين أوّل، لكن آساف وزوجته الشّيعيّة، لينا (هناك 17 زيجة مختلطة محلّيّة كما يقول) كانوا قد تركوا أسبوعين قبل هذا التاريخ.
خلال الحرب، صرّح ناطقون باسم حكومة إسرائيل أنّ الصواريخ التي استهدفت النّبطيّة اصابت منشآت عسكريّة ومخازن أسلحة المجاورة لمبانٍ مدنيّة. يقول آساف انه لا يعلم إذا كان ذلك صحيحًا: هو لديه مئات الأصدقاء من الشيعة، وحتى عائلاتهم لا تعلم إذا كان أقاربهم مسلّحين. هو يشك عمّا اذا كان في السوق سلاح من النوع الثّقيل. حيث أنها منطقة شعبيّة، فان الجميع كان سيلاحظ لو كان الامر كذلك.
هو يعرف أن حزب الله متواجد في الغابات المحيطة في المدينة. كصيّاد هاوٍ، تذكّر آساف لقاءاتٍ له في الغابات مع محارب يظهر فجأة ويطلب منه أن يرحل من هناك. لكنه أكّد بشكل قاطع أن قادة المدينة لم يكونوا جنودًا. فلقد كان يلعب مع كحيل الكرة الطائرة كل أسبوع.
“ربّما في بعض الأماكن هم يقصفون حزب الله”، قال آساف. “لكن لماذا يقصفون جاري”.
قصف على البلدية
ان نمر، شقيق آساف، هو المسيحي الوحيد في مجلس البلدية المكون من 21 شخصًا. لم يكن نمر في مكتبه بتاريخ القصف يوم 16 تشرين اول لكن زميله صادق إسماعيل الذي وزع شخصيًا المساعدات للمواطنين المسيحيين المتبقين، كان قد باشر في اعمال العمل اليومية. وقد قتلته القذيفة على الفور.
في ذلك الوقت كان علي شُكُر وهو مُشرف المدرسة الثانوية في NESN وشيعي المذهب، يشرب الشاي مع أعضاء آخرين من مجموعة المتطوعين لخدمات الطوارئ “الطلبة” مقابل مبنى البلدية. وكان زميله في الفريق عباس فهد قد ترك لكي ينضم لجهد الإغاثة حين صعقوا من الصوت المدوي للطائرة التي طارت فوقهم. خلال ثواني اصاب صاروخ ضواحي النبطية. ووقعت الأغراض من الخزائن بينما هرع العمال الى غرفة داخلية. رأسًا بعدها اصابت قذيفة بناية مكاتب البلدية.
انتشر الزجاج في كل صوب. وحين خرج شكر للخارج وهو في حالة من الصدمة، لاحظ ان الانفجار قد أدى لحدوث حرائق في الشارع وتكسرت مواسير عديدة التي أدت لانسكاب المياه منها الى الشوارع. فقفز الادرنالين في جسمه.
واسرع شكر ومرّ من بوابة البلدية التي بقيت صامدة ووجد فهد مع عضو المجلس خضر كوديه وهو مصاب ولكنه لم يمت. لقد كانوا واقفين في موقف السيرات بين سيارة اسعاف وسيارة توزيع مؤن وبهذا كانت حماية لهم من الانفجار. لكن الاطار فوق رؤوسهم انهار على كوديه وساهم شكر في تحريره من تحت الأنقاض.
قضى شكر اليوم التالي في المستشفى الحكومي وهو يمر في عملية اشفاء ذهني غير رسمي وهو يحاول استعادة اعصابه في الوقت الذي خشي فيه من التحرك او النوم في أي مكان آخر. لقد أسس “الطلبة” في عام 1986 ورفض الاخلاء في أي حرب منذ ذلك الوقت. لقد كانت المرة الأولى التي ظن فيها انه قد يموت.
لكنه تشجع في اليوم الذي التالي ليوم التفجير. فجمع فريقه وقال شكر لهم: “اننا نقوم بنفس الأشياء مثلنا مثل الآخرين في البلدية. كان من الممكن ان تقتلنا إسرائيل في أي وقت ولكنها لم تفعل. لقد قرر الله اننا سنعيش وسنستمر في الخدمة. دعنا نعود للعمل.”
كمسلم تعلّم الكثير عن روح التضحية المسيحية خلال اعوامه في NESN لكن دوافعه طويلة الأمد والتي اكتسبها كولد في الكشاف- كانت دائمًا إنسانية.
أصبح الحصول على الحاجيات الضرورية ل- 92 عائلة ممن كان يساعدهم في المدينة امرًا اصعب بعد ان تدمر السوق. كان شكر ما زال خائفًا خلال سفراته المتكررة الى صيدا في سيارة الإسعاف الامريكية الصنع من فئة جي ام سي حيث كان يوصل العائلات النازحة وبعدها يعود ومعه بضائع. وكانت إسرائيل قد اصابت سيارات كهذه من قبل حين شكّت انها تحمل المسلحين تحت غطاء العمل الإنساني. لكن مع كل رحلة كهذه زادت ثقته بالنفس. “الطلبة” لم تكن مسجلة مع أي حزب سياسي. لقد شعر بالأمان.
ومثله شعر كثيرون من المرتبطين بحزب الله ويشمل ذلك ممثليه من أعضاء المجلس. مثلًا تعهد كحيل ان يبقى في النبطية في الوقت الذي تم اخلاء الآلاف. وفي الوقت الذي تمنع مواثيق جنيف استهداف المدنيين في الصراعات الدولية الا إذا اشتركوا بشكل مباشر في الاعمال العدوانية. لكن معايير الصليب الأحمر والولايات المتحدة مختلفة مما يمكن ان يسمح لإسرائيل ان تلاحق الأعضاء غير المحاربين من حزب الله. ان الاتحاد الأوروبي يميّز في ذات الوقت بين الجناح السياسي للحركة الشيعية وبين الجناح العسكري- التي تسمى منظمة إرهابية.
تجنب شكر نقل الجرحى الى مستشفى النبطية المرتبط بحزب الله. بدلًا من لك احضر كوديه الى مركز الصحة الحكومي في المدينة والتي نقلته بعدها الى مركز بيروت الصحي التابع للجامعة الامريكية في العاصمة. لم يكن كوديه قادرًا على التحرك لمدة شهر واخذ يتعافى من الكسور في ظهره، في رجله اليسرى وفي الحوض.
عيد ميلاد صامت
بتاريخ 27 من تشرين ثاني اثار اعلان وقف إطلاق النار كثير من مؤيدي حزب الله في بيروت ان يملؤوا الشارع وهم يلوحون بأعلام الحزب الخضراء والصفراء. رغم ان الشروط قضت ان تنسحب المليشيا من المنطقة الجنوبية من لبنان لكنهم كانوا قد قدموا مقاومة صلبة لغزو اليابسة الإسرائيلي. لقد قضت الهجومات الجوية الإسرائيلية على القيادة العليا وعلى العتاد العسكري لكت حزب الله اعتبر مجرد بقاءه نصرًا.
اما النبطية المهشمة فكانت أكثر كآبة. رغم ان وقف إطلاق النار أعلن في عيد الميلاد لكن كودية قال للمسيحية اليوم ان المدينة لم تقدر ان تحتفل بالعيد ولا ان تنصب شجرة في السوق المدمر. في منتصف كانون اول، قام مجلس بلدية منكمش بانتخاب كودية رئيسًا له. وفي بداية كانون ثاني وفي محاولة لرفع منسوب الامل، وضع الموظفون ملصقات تعلن ان المدينة ستعود وقد اصبحت أجمل مما كانت. لكن إعادة البناء كانت بطيئة.
وبينما تجهم وجهه بين الحين والآخر من شدة الألم، فان كوديه ادان “الغارات الاستبدادية للكيان الصهيوني” وبهذا استخدم المصطلح العربي الدارج لتجنب استخدام اسم إسرائيل.
“المسيح يبكي على الشهداء”، قال مستخدمًا التسمية المشتركة ليسوع بدل الاختيار بين الاسم المسيحي والإسلامي له. واضاف انه رغم ان النبي المشترك موجود “في قلوبنا” ويتشفع فينا جميعًا، لكن بحسب قوله ليس من المناسب ان البلدية تحتفل في الوقت الذي ينوح فيه كثيرون في النبطية. اما مساعده وهو لا يقل عنه جدية، فقد لبس غطاء للرأس وتتدلى حول عنقه قلادة كحيل.
لقد كانت ملاحظات كوديه موزونة ورتيبة. سيعود عيد الميلاد العام القادم. المسلمون والمسيحيون هم شعب واحد. ان NESN هي مدرسة محترمة. لم يكن هناك مسلحين في النبطية، حسبما قال. لكنه ابتسم حين ذكر أولاده. لقد نصب شجرة عيد الميلاد في بيته وخطط تبادل الهدايا.
اما في مناطق أخرى في المدينة ففقد كانت روح عيد الميلاد ضعيفة. لسنين طويلة قام نجار محلي بتكريم كنيسة الروم الكاثوليك بصنع مشهد الميلاد المزخرف الذي جذب المعجبين من القرى المسيحية المجاورة للنبطية. كان المسلمون يحضرون ايضًا وهم يدعون لأجل تدخل الهي في ذلك الوقت وفي باقي السنة. لكن في كانون اول الحالي- لم يكون هناك عرض للمشهد. فالنجار ترك النبطية الى مكان آمن.
لقد كان لشكر شجرة في البيت ولكنه لم يحتفل هو ايضًا هذا العام. كان والده رجل دين شيعي أحب عيد الميلاد وتقديم الهدايا ووضع شخصيات يوسف، مريم والطفل يسوع في المناطق العامة. عادة لا يضع المسلمون صور او اشكال لأنبياء في أماكن عامة ولكنهم يؤمنون بذات الوقت بميلاد يسوع العذراوي. استمر شكر في تقليد والده بما في ذلك في مطعم العائلة. لقد رحب بالزبائن في عيد الميلاد السابق رغم الحرب، لكن العمل كان شحيحًا. لقد انتظر لكي يرى اذا كان وقف اطلاق النار سيثبت قبل ان يفتح مرة أخرى.
اقترح شكر وضع الزينة الموسمية في NESN كمقولة عن ان الأحوال عادت للمعتاد. كانت المدرسة الثانوية فد فتحت أبوابها لبعض الصفوف الوجاهية قبل عيد الميلاد بأسبوع. لكن طلاب الابتدائية لم يعودوا الا في بداية كانون ثاني في الوقت الذي استمرت به الترميمات. كان المعلمون ايضًا مشتتون في الوقت الذي توجب عليهم ان يحضّروا الدروس بينما تدافعوا لكي يصلّحوا بيوتهم المتضررة.
قبلها في 2023 كان حجار، مدير NESN جريئًا. اذ قال في رسالته للطلاب بمناسبة موسم العيد ان رسالة الميلاد معاكسة للحرب والإرهاب وذكر أسباب وجود مدرسة انجيلية في مدينة شيعية. وقال ان رسالة الحب والرحمة تبني الجسور بين المجتمعات في لبنان الممزقة احيانًا من جراء الانقسام الطائفي.
لكن خلال موسم العيد الحالي أصيب بالاكتئاب وتناول الدواء لكي يتمكن من النوم ليلًا ولكن وجد راحته في كلابه الثلاثة. لقد خشي ان تغلق المدرسة أبوابها اذا لم يتمكن الأهالي من دفع الأقساط. لقد كان غاضبًا وأصيب بالإحباط ولكنه انهى كل يوم بصلاة شكر بسبب ايمانه المسيحي وسامح من هاجموا مدينته المحبوبة.
“أؤمن ان الله سيسمع هذه الصلاة”، يقول حجار، “ولقد وضعها على جدول اعماله”.