بحسب بحث ضخم جديد للخريطة الدينية اجراه مركز بيو للبحث والذي نشر يوم الأربعاء، هناك حوالي 78 مليون انجيلي في أمريكا. فيه تبيّن أن اغلب الانجيليين من البيض وجمهوريين ويقولون ان الدين هو امر هام بالنسبة لهم.
لكن ليس جميعهم.
هذا البحث الذي يعتبر ذو نظرة الأكثر شمولية للدين في الولايات المتحدة، اشترك فيه اكثر من 36 الف شخص قد عبأوا الاستفتاء الذي يحوي 116 سؤال في جميع الولايات الخمسين- يُظهر تنوعًا انجيليًا هامًا. ان الانجيليون متنوعون: عرقيًا، سياسيًا، اقتصاديًا وحتى بما يتعلق بالممارسة الدينية.
يظهر بحث بيو أنّ 28% منهم ليسوا بيضًا. 24% منهم ديمقراطيين او يميلون للديمقراطيين. في بعض المواضيع، يشمل ذلك المساعدات الحكومية للناس المحتاجين والتشريع المتعلق في البيئة، هناك نسبة اعلى تدعم المواقف الأكثر ليبرالية.
7% يقولون ان الدين ليس مهمًّا بالنسبة لهم. فقط نصف الانجيليين الامريكان يرتادون الكنائس اسبوعيًّا بحسب بحث بيو. حوالي الربع يقولون انهم لا يرتادون او بالكاد يرتادون الخدمات الدينية. أي ان أكثر من 17 مليون انجيلي لا يذهبون للكنيسة.
هل هم فعلًا انجيليين؟
لقد اثار هذا المصطلح لفترة طويلة نقاشات بين باحثي العلوم الاجتماعية، المؤرخين وعامة الشعب. ظهر المصطلح في البداية كصفة تعني “من الانجيل”. في حركة الإصلاح في بريطانيا مثلًا، تكلم الناس أن هناك اسفار انجيلية للكتاب المقدس- متى، مرقس، لوقا ويوحنا وأسفار غير انجيلية من الكتاب المقدس، تمامًا كما أن هناك اسفار نبوية واسفار غير نبوية. البريطانيون البروتستانت ايضًا رتلوا ترانيم انجيلية ولكنهم لم يعتبروا بأن كل ترانيمهم كانت انجيلية. بعض منها كان عن الانجيل ; البعض الآخر كان عن المعمودية، مجد الرب او الشكر.
كانت اول مجموعة من الناس ممن استخدمت “انجيلي” كاسم هي الجمعية التطوعية الكنسية الانجيلية في إنجلترا في سنوات الثلاثينيات من القرن التاسع عشر. وقد حاربت في سبيل فصل الكنيسة عن الدولة. مجموعة لاحقة هي الاتحاد الإنجيلي تنظمت في العقد الذي تلاه للمحاربة لأجل حقوق الكنائس الحرة- كنائس سميت “غير توافقية” و”معارضة” ومن ثم “انجيلية”.
بعدها بمئة عام، شرع المُبشِّر بيلي غراهام باستخدام الكلمة كمصطلح يشير للناس الذين دعموا خدمته. كانت كلمة انجيلي واسعة لدرجة انها شملت المعمدانيين والمشيخيين ولكن ايضًا الاسقفيين والوسليين والمصلحين الهولنديين ومجموعات ستون كامبل إضافة للوثريين والخمسينيين والانا-بابتست وكنائس السود.
وقد عرف الكل نوعًا ما ماذا يقصد بها- شيء متعلق بالإنجيل- ولم يكن لاي فئة ذلك الارتباط القوي بالكلمة.
وقال كارل ف. هنري، المحرر المسؤول الأول للمسيحية اليوم، للمؤرخ حورج مارسدين انه وبيلي غراهام وقادة أخرين مثل ل. نيلسون بيل وهارولد ج. اوكينجا، احيوا الكلمة انجيلي لأنها كانت فعلًا مألوفة وايضًا متاحة. واستخدموها حين اسسوا الجمعية الوطنية للإنجيليين، مؤتمرات لأجل تقدم الزمالة الانجيلية، جمعية بيلي غراهام التبشيرية، كلية فولر للاهوت والمسيحية اليوم وبهذا بنوا حركة بواسطة الاسم.
ابتدأ معدّو الاستفتاءات بالسؤال عن الانجيلية في سبعينيات القرن الماضي، حين صرّح المرشح الرئاسي جيمي كارتر انه “مولود ثانية”، وتساءل المراقبون السياسيون اذا كانت الانجيلية هي “قاعدة دعم متضمنة” للديمقراطيين. قام مركز الاستفتاءات غالوب باستفتاء وجد فيه ان حوالي 50 مليون امريكي يمكن اعتبارهم انجيليين. كتبت مجلة نيوزويك عن الاستفتاء ووضعت الكلمات “مولود ثانية” على الغلاف، اما مجلة تايم فقد صرّحت ان 1976 هو “عام الإنجيلي”.
لكن عالم الاجتماع روبرت وثناو يقول، أن الكثير من الامريكان عرفوا المصطلح بسبب الاستفتاء، وكثيرون ممن اجابوا ب-“نعم، انا انجيلي” نظروا عمليًا لأنفسهم بهذه الطريقة فقط، حين سُئلوا عن ذلك في انتخابات. فأصبح المصطلح “انجيلي” بالنسبة لكثير من الامريكيين مرتبطًا اكثر مع السياسة من أي شيء آخر.
وقد ادّعى بعض المؤرخين مثل ماثيو افيري سوتون ان “انجيلي” في الحقيقة هي مجرد امر سياسي. البعض الآخر ويبرز بينهم ديفيد بيبينغتون وتوماس كيد الذين ينادون بتعريف لاهوتي محض.
لكن مركز بيو انتهج توجهًا مختلفًا إذ يعتقد باحثوها انه يناسب الواقع الأكثر تعقيدًا للدين في أمريكا.
اولًا، انهم يقسمون الطوائف البروتستانتية الى ثلاث مجموعات: الانجيلية، المركزية والسوداء، مستندين على الارتباطات التاريخية. لذلك فان الناس الذين يقولون ل- “بيو” انهم معمدانيين جنوبيين يُعتَبرون من الانجيليين، والناس الذين يقولون انهم من المعمدانيين الامريكان فهم يُعتَبرون من المركزيين والناس الذين يقولون انهم من المعمدانيين الوطنيين يُعتَبرون من كنائس السود.
لكن مجموعة كبيرة من الناس لا تتماثل مع طائفة محددة. 7% من الامريكان يقولون انهم لاطائفيين. والبعض من اكثر من 36 الف شخص الذين اجابوا على الاسئلة في الاستفتاء الحالي قالوا ل- بيو انهم “مجرد معمدانيين” او “مجرد منهجيين” او “مجرد مسيحيين”. البعض الآخر أعطوا إجابات شملت كنيسة بيتية او القول انهم في كنيسة انجيكانية مستقلة، كلفينية، انجيلية او حافظة للسبت. بعض الأمريكيين قدموا للباحثين الأسماء ومواقع كنائسهم المحددة.
كما سألت بيو هؤلاء الناس إذا كانوا يعتبرون انفسهم “مولودين ثانية” او “مسيحيين انجيليين” وبعدها عرّبوهم استنادًا لكيفية تعريفهم لأنفسهم.
ليس كل العلّامة، وليس كل الانجيليين وبالتأكيد ليس كل العلّامة الانجيليين راضين بهذا. لكن منهجية بيو تنتج صورة مثيرة للاهتمام وكثير من التفاصيل المتينة. مثلًا 19% من الانجيليين هم جيل اول او ثاني من المهاجرين. وايضًا 55% يظنون ان مجموعة السكان المهاجرين المتزايدة في أمريكا في نصف العقد الأخير قد جعلت البلاد أسوأ.
اغلب الانجيليين يعرّفون أنفسهم كمحافظين، ويدعمون المواقف المحافظة مثل التقييدات على الهجرة. يقول 65% انه يتوجب ان يكون الإجهاض غير قانونيّ في كل او اغلب الحالات. 61% يقولون انه يتوجب عدم تشجيع المثلية اجتماعيًا. 42% يرغبون برؤية تقليصات على برامج الرفاه الاجتماعي الحكومية.
لكن هذه ليست القصة برمتها. فان 30% من الانجيليين يعرّفون أنفسهم انهم معتدلون. وبعض المعتدلين- حوالي 7%- يميلون الى الجمهوريين كما تُظهِر الدراسة. لكن الاغلب ليسوا كذلك. حوالي 7% يبقون مستقلين وحوالي 18 مليون انجيلي يصرّحون انهم يدعمون الديمقراطيين. 31% يرغبون أن يروا الحكومة تزيد الدعم للناس الفقراء وحوالي 44 % من الانجيليين – اكثر من 34 مليون شخص- يدعمون الأنظمة البيئيّة الأكثر تشَدُّدًا.
وتظهر دراسة بيو تباينًا منطقيًّا ملحوظًا بين هؤلاء المسيحيين. فأكثر من نصف الانجيليين يعيشون في الجنوب. اقل من 10% متواجدون في الشمال الشرقي. 21% يعيشون بين البحيرات الكبيرة وجبال الروكي و19% أخرين يعيشون بين جبال الروكي والمحيط الهادي.
كذلك يُظهِر البحث أن الانجيلين آخذين في التعلّم أكثر. حوالي 60% التحق بالجامعة. كما زادت الشهادات الجامعية المتقدمة بحوالي 5% خلال العقد الأخير، إذًا الآن هناك أكثر من 9 مليون انجيلي يحمل شهادة لقب ثانٍ او اعلى.
يميل الانجيليون أن يكونوا أكبر عمرًا بقليل من السكان ككل. فمتوسط عُمر الأمريكي هو 38 او 39. يظهر البحث أيضًا، ان 55% من الانجيليين يزيد عمرهم عن ال- 50 بينما جيل الالفية من جيل 30 حتى 49 هم اقل بقليل من الثلث و14% هم بين عمر 18 و29.
كما تبيّن في بحث بيو أن هناك تنوّعًا في المعتقدات الدينية والممارسات، والتي قد تظهر مفاجئة. 15% من الانجيليين لا يعتبرون انفسهم متدينين و9% يقولون انهم ليسوا روحيين.
لكن اغلب هؤلاء الناس ما زالوا يصلّون وأغلبيّتهم يقولون ان الكتاب المقدس هام بالنسبة لهم. 72% من الانجيليين يصلّون يوميًا و21% أخر يصلّون اسبوعيًا او شهريًا. ويقول 95% منهم ان الكتاب المقدس هو ذو صلة لهم شخصيًا- لكن فقط حوالي نصفهم يقرأ الكتاب كل أسبوع.
اكثر من ربع الانجيليين قالوا ل-“بيو” انهم نادرًا او لا يقرأون الكتاب المقدس البتة.
يشعر 75% من الانجيليين بإحساس من السلام والصحة الروحية على أساس شهري. لكن بالنسبة لكثيرين لم يختبروا ذلك عن طريق شركتهم مع مسيحيين آخرين. 60% من الانجيليين يحضرون الكنيسة على أساس شهري و40% يحضرون اجتماعات الصلاة، دروس الكتاب المقدس، مدرسة الاحد او المجموعات الصغيرة مرة في الشهر او أكثر. هذا يعني أن هناك عدد كبير من الانجيليين الذين لا يعبدون مع انجيليين آخرين.
لكن بحسب بيو، الانجيليون الذين لا يتواصلون ابدًا مع انجيليين آخرين ما بَرِحوا انجيليين. في هذا البحث الشّامل، يعتبر 23% من الدولة أنهم جزء من هذه الحركة الدينية. لكن تقرير بيو يظهر ايضًا ان انجيليّ يمكن أن يعني عدّة أمور مختلفة ويظهر بطرق عديدة ومختلفة.