Books

الرحلة إلى مصر: كيف خرجت زوجة راعي كنيسة غزة

رحلة مروّعة مع الأطفال والأجداد تعيد لم شمل الأسرة مع الزوج في الوقت الذي يزداد يأس المسيحيين الفلسطينيين اللاجئين في كنيسة الارثوذكس واللاتين.

غيتي إيماجز مواطنون يبكون وهم يجمعون جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية

غيتي إيماجز مواطنون يبكون وهم يجمعون جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية

Christianity Today November 30, 2023
الصورة: أحمد حسب الله

جانيت ماهر الآن خارج غزة.

وكانت الزوجة الفلسطينية للقس المصري السابق للكنيسة المعمدانية في غزة قد لجأت إلى كنيسة القديس بورفيريوس الرومية الأرثوذكسية مع أولادها الثلاثة و350 آخرين، ولكن ليس مع زوجها. قبل أسبوعين من الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، عاد حنا ماهر مؤقتاً إلى مصر واضطر إلى البقاء هناك بعد اندلاع الحرب.

على الرغم من أهوال معاناة استمرت 43 يومًا من القصف وهي بمفردها، كما ذكر موقع CT سابقًا، فإن انفصال الأسرة هو السبب وراء تواجد جانيت وأطفالها بأمان في مصر، وجمع شملهم مع حنا. لكن قبل ذلك كان عليهم أن يخوضوا رحلة مروعة بدأت بوداع جماعة مقدسة بالدموع.

وقالت جانيت: ”لقد أمضيت أسابيع مع هؤلاء الأشخاص وقد كسرتني هذه التجربة”. ”لكن الجميع طالبوها متوسلين: إذا خرجتم، أخبروا العالم عن وضعنا ”.

يتجاوز عدد القتلى في غزة 11,000 شخص ومن بينهم أكثر من 5,000 طفل وفقًا للإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة في القطاع الذي تديره حماس، وآخر تحديث لها في 10 تشرين الثاني/نوفمبر. لكن باستثناء الشظايا وبقايا الجثث البشرية المتناثرة التي تطايرت فوق جدران مُجمع الكنيسة، لم يكن المسيحيون في الداخل يعرفون سوى القليل عن ذلك.

بانعدام وجود تلفزيون أو إنترنت، ووجود اتصال متقطع فقط بشبكة الهاتف الخليوي، لم تعرف جانيت وزملاؤها اللاجئون في الكنيسة من سكان غزة سوى الواقع اليومي للحرب. وقد تم قضاء معظم اليوم في محاولة ايجاد طريقة لكيفية شراء الطعام، حيث تم تكليف الشباب بجولات لخارج المجمع إلى السوق المحلية.

في أغلب الأحيان، كان النهار يبدأ بالقصف، مما يدفع الناس إلى الفرار بعيدًا عن النوافذ والأبواب إلى وسط الغرفة. كان الكاهن يقود خدمة صلاة صباحية ثلاث مرات في الأسبوع. وفي كثير من الأحيان، كانوا يجتمعون للغناء الارتجالي، لمجرد تهدئة أرواحهم العصبية. كان البعض يقرأ كتابه المقدس بينما يبكى آخرون وحدهم على مقاعد الكنيسة.

كما كانوا يكثرون من عمليات التنظيف. اذ كان الغبار والحطام يركدان بعد كل انفجار. كما كان معظم الناس المتواجدين يعانون شكلًا من أشكال المرض – السعال والحمى وآلام المعدة – وكان الذباب في كل مكان، يتطاير من الجثث في الشارع.

بانعدام وجبة الإفطار أو العشاء، كانت معظم الوجبات اليومية تتمثل بحساء العدس مع الأرز أو المعكرونة في بعض الأحيان. نادرًا ما كانت المياه نظيفة، على الرغم من أن الكهنة حصلوا على بعض منها عن طريق مقايضة البنزين المتوفر لديهم بها مع المسجد المجاور والذي استخدم الوقود لتشغيل مولّد ضخ الآبار.

وقالت جانيت: ”ذات مرة، تمكن الكاهن من الحصول على الشوكولاطة”. ”فاحسسنا كأن عيد الميلاد قد حضر.”

بعد تناول الطعام حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، كان يحلّ الظلام. ونظرًا لانقطاع الكهرباء، كان الجميع ينتقل إلى فرشاته لقضاء ليلة نوم متقطعة. بينما اوى 100 شخص آخر في قاعة الجنازات في الكنيسة الى فراشهم، كانت جانيت تقرأ المزمور 23 لأطفالها. لكن لنفسها كانت تتكل على المزمور 91 لكي تتعامل مع الواقع الحربي المحيط ولتهدئ قلقها.

ورددت جانيت: ” _ يسقط عن جانبك ألف، وربوات عن يمينك_ ”. لانك قلت انت يا رب ملجاي.جعلت العلي مسكنك. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك” ”. واختبرت جانيت شخصيا بوفرة هذا العدد. فقد كانت جانيت قبل نقل عائلتها إلى الملجأ في الكنيسة قد غادرت شقتها بحثًا عن الطعام. ولم تجد شيئًا في السوق، فعادت إلى المنزل. واكتشفت انه بعد خمس دقائق من مغادرة بيتها، ضرب صاروخ المنشأة، فقتلت جارتها. لقد هزّتها هذه المأساة بشدة، ورأت أيضًا يد الله تحميها.

لكن لم يحالفهم الحظ الآخرين، حتى داخل الكنيسة. اذ قُتل ما لا يقل عن 20 شخصًا عندما اصاب صاروخ إسرائيلي مركز قيادة قريب لحماس، خارج مجمع الكنيسة، بحسب ما قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدفه . كما توفى في الأسبوع الماضي، رجل مسن عندما نفد دوائه للمرارة، كما لم يتمكن شاب يعاني من حمى شديدة من الوصول إلى المستشفى.

وفي مجمل بحث حماس عن رهائن تحتجزهم، هاجمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء القريب.

وقد دفعت هذه الأخبار حنا مسعد، القس الفلسطيني السابق لكنيسة غزة المعمدانية قبل ماهر، إلى التواصل مع اثنين من شيوخ الكنيسة ممن لجأوا إلى كنيسة العائلة المقدسة اللاتينية، والذين حافظ معهم على اتصال يومي قريب. وعندما سأل عن اثنين من المسيحيين الذين كانوا يذهبون إلى مستشفى الشفاء ثلاث مرات في الأسبوع لغسيل الكلى، علم بانتقالهم إلى الجنوب بحثًا عن مستشفى ما زال فعالًا.

ورغم وجود أطباء وصيادلة لاجئين في الكنيسة فقد توفي هناك رجل مسن.

ويقول مسعد: “كل يوم كان أسوأ من اليوم الذي سبقه”. ”إذا كنت تعاني من مرض خطير، فعلى الأرجح سوف تموت”.

كانت الحياة في داخل الكنيسة مشوبة بالقلق، ولكن أيضًا بالتشجيع. وقال مسعد إن الوضع في الداخل أفضل قليلاً من الخارج، ويحاول الجميع مساعدة بعضهم البعض. وتابع مسعد: لقد تبنّوا مكانة سفينة نوح. على الرغم من أن موجات العنف تلطتم بسفينتهم، إلا أنهم يشعرون بالحماية بدم يسوع.

إنه نفس التشبيه الذي استخدمته جانيت، ولكن تطبيقها له مختلف. اذ قالت إنه بمجرد ارساء سفينتهم بأمان، فان كل ما سيجدونه هو الموت والدمار. وكانت جانيت تحكي هذه القصة وغيرها من قصص الكتاب المقدس للأطفال الذين يؤويونهم طبعا دون الاستناج الكئيب المذكور. وكانت تقول لهم ان أيوب استعاد من الله فيما بعد كل ما فقده.

لكنها شعرت سرًا بأنها إحدى أصدقاء أيوب. وتساءلت: عسى يكون تدمير غزة هو عقاب الله للمسيحيين بسبب افتقارهم إلى التكريس الروحي. ولكنها عادت ووبخت نفسها قائلة ان امور مثل هذا تحدث. عندما تشعر بالخوف، لا تقلق بشأن من يقع عليه اللوم.

والآن وقد اصبحت في الخارج، أصبح لديها المزيد من الوقت للتفكير.

تقول جانيت: ”لا إسرائيل ولا حماس يهتمان بنا”. ”المسلمون والمسيحيون ليسوا مذنبين بأي شيء، والأبرياء يموتون”.

لكن إسرائيل تقول غير ذلك. وكان شقيق جانيت من بين العديد من الأشخاص الذين تلقوا مكالمات هاتفية من جيش الدفاع الإسرائيلي يطلب منهم التوجه جنوبًا حرصًا على امانهم. وتقول جانيت إن الرسالة جاءت مصحوبة بشبه تهديد: إذا دخل أي شخص من حماس إلى الكنيسة فسوف يتم قصفها .

نظرًا لعدم قدرتهم على النوم على أي حال، أقام المسيحيون داخل كنيسة القديس بورفيريوس اعتصامًا ليليًا. في احدى المرات جاء مسلمون من المسجد لمساعدتهم لطرد بعض الغرباء الذين حاولوا اقتحام الكنيسة بالقوة. وفي حالات أخرى، كانوا يحاولون صد محاولات للسرقة، فلقد تصوّر بعض الاشخاص الجياع أن المسيحيين قد يكون لديهم طعام أكثر مما لديهم.

كما ويستمر بعض المسلمين في الاحتماء في داخل الكنيسة فالكنيسة تتشارك مع جيرانها بما يمكن.

لكن هذه الأخوّة الدينية هي موضعية إلى حد كبير. وقال شقيق جانيت للجيش الإسرائيلي إنه ليس للمسيحيين أقارب في الجنوب، ولا توجد هناك كنائس لاستقبالهم. وأشارت جانيت إلى أن النساء المسلمات في الجنوب يغطين شعرهن، والرجال هناك ليس لديهم خبرة تذكر في التعامل مع مؤمني الديانات الأخرى.

ويقال إن التعصب له جذور أقوى خارج العاصمة، مدينة غزة.

وقالت جانيت: ”إنهم لن يقتلوننا، لكنهم لا يفهموننا”. ”إنها ثقافة مختلفة، ولا نعرف ماذا ستكون ردود أفعالهم.”

يبلغ عدد المسيحيين في غزة حوالي 1000 شخص، ويعيش معظمهم في محيط الكنائس الثلاث، وجميعها في العاصمة. عندما استولت حماس على القطاع الساحلي في عام 2007، تعرض المجتمع المسيحي – الذي كان عدده آنذاك حوالي 7000 شخص – لهجوم بالقنابل على جمعية الكتاب المقدس الفلسطينية، وفي أكتوبر / تشرين الأول، قُتل مدير مكتبتها. وأدانت حماس الأحداث ووعدت بإجراء التحقيق، لكن لم يتم تقديم أي شخص إلى العدالة.

بحلول الوقت الذي أصبح فيه حنا قسًا في عام 2012، كان عدد السكان المسيحيين قد تضاءل إلى حوالي 3000. وقد وجدت دراسة استقصائية عبر فلسطين في عام 2020 أن 60 بالمائة من المسيحيين الذين يفكرون في الهجرة يفعلون ذلك لأسباب اقتصادية. لكن في حين أشار 7% فقط إلى الظروف الأمنية، أعرب 77% عن قلقهم بشأن وجود المسلمين السلفيين المتشددين و69% قلقون بشأن الفصائل المسلحة مثل حماس.

لكن 83% كانوا يخشون أن يطردهم المستوطنون اليهود من منازلهم، بينما اعتقد 62% أن هدف إسرائيل هو طرد المسيحيين من وطنهم.

بطريقة ما، لم يؤثر أي من هذا على أطفالها – ماثيو (متى) البالغ من العمر 10 أعوام، ونتاليا البالغة 9 أعوام، وتيموثي البالغ من العمر 5 أعوام – حتى أثناء التفجيرات، حيث كانت تسحب فرشاتهم بعيدًا عن النوافذ.

قالت جانيت: ”لم يكن أحد يستطيع النوم، باستثناء اولادي”. ”لقد دهشت من احساسهم بالسلام.”

وقالت إن الابن الأصغر كان يحسّ أحيانًا بخوف والدته فيمسك بيدها ليذكّرها بأن الله سيحميهم.

وطوال الوقت، كان والده يجري الاتصالات الهاتفية.

ففي اتصال مع السفارة المصرية في عاصمة الضفة الغربية رام الله، استخدم حنا أيضًا سينودس النيل المشيخي في مصر كوسيلة ضغط للتوسط لصالح عائلته. وتزايد أمله مع فتح معبر رفح بين غزة ومصر مؤقتا للسماح للبعض بالمغادرة، لكنه تلاشى مرة أخرى عندما أُغلق مرة أخرى. لكن المهمة كانت معقدة، لأنه في الوقت الذي حمل أولاده الجنسية المصرية، لم تكن جانيت تحملها. وتلقت جانيت يوم الخميس الماضي خبرًا مفاده أن أطفالها الثلاثة كانوا على قائمة الخروج. وفي اليوم التالي، انطلقت إلى الحدود مع والديها، حيث وُعدت والدتها – مريضة السرطان في المستشفى التركي في غزة – بنقلها إلى تركيا برفقة والد جانيت.

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، علمت جانيت أن اسمها قد أضيف أيضًا إلى قائمة الخروج. ولكن كيف يمكن لأم لوحدها أن تصل إلى هناك – في وسط منطقة حرب – مع ثلاثة أطفال صغار وأبوين مسنين، وكان أحدهم على كرسي متحرك؟

وقالت: ”كانت هناك خطوات كثيرة، وكان الأمر صعباً جدًا.والطريق محفوفة بالمخاطر للغاية.”

وكان ايجاد وسيلة نقل هو التحدي الأول. وخططوا في البداية إلى المغادرة الساعة التاسعة صباحًا، لكنهم وجدوا وسيلة النقل الوحيدة المتاحة بعد ساعتين: سيارة متهالكة قام أحد الأصدقاء بتدبيرها. وأوصلتهم حتى طريق صلاح الدين السريع، وهو الشريان الرئيسي الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب.

وهناك عثروا على عربة يجرها حمار نقلتهم إلى الحاجز الإسرائيلي.

وبعدها مروا سيرًا على الأقدام مع مئات آخرين، وساروا لمدة ساعة بينما تعطل الكرسي المتحرك على طول الطريق. وتطوع شابان من غزة لحمل الجدة التي ما فتئت جالسة على الكرسي حتى وصلوا إلى نقطة توقف للجيش الإسرائيلي. وتم سحب شباب آخرين من الحشد، ثم اختفوا بعد ذلك. واتقسمت العائلات وسط الفوضى عندما أمرهم الجنود بالجري؛ وسقط كبار السن وتُركوا في الخلف.

وكانت الجثث ملقاة على جانبي الطريق.

واستذكرت جانيت كيف طُلب منهم ومن جميع الآخرين عند نقطة تفتيش غير الرسمية أن يركعوا في حفرة تكونت نتيجة القصف، وقامت جانيت برفع قطعة قماش بيضاء فوق رأسها. وكانت هناك جرافة تلقي الرمال أمامهم – على ما يبدو لإنشاء حاجز أمني – لكن الاولاد ظنوا أنها لغرض دفنهم أحياء. بعد أربع ساعات، سُمح لهم جميعًا بمواصلة طريقهم جنوبًا.

قالت جانيت إنها محظوظة لحيازتها للنقود للدفع لسيارة ألاجرة. لقد دفعت 500 شيكل (133 دولارًا أمريكيًا) مقابل سفرة تكلف عادةً 30 شيكل فقط (8 دولارات) وتستغرق 20 دقيقة إلى الحدود وفي النهاية وجدتها مغلقة. ولحسن الحظ، كان السائق على استعداد لإيصالهما إلى مستشفى السرطان التركي في خان يونس، على بعد ستة أميال.

وحين لم تجد مكانًا في النزل، سمح المستشفى للعائلة بالبقاء في غرفة الانتظار لأن الجدة كانت مريضة. وبعد ليلة دون النوم، اتصل شقيق جانيت بصديق محلي مسلم ليوصلهم بسيارة أجرة أخرى إلى معبر رفح الحدودي.

وهناك، لاقتهم أخبارًا جيدة واخرى سيئة. لفد تم نشر أسماء جانيت والأطفال على لائحة علّقت على الحائط. ولكن أسماء والديها لم تظهر في القائمة. وقالت جانيت إنه على الرغم من أن تركيا قدمت أسمائهم، إلا أن إسرائيل لم تتطرق بعد لعمليات نقل مرضى السرطان. وبعدما اكتشفت أن والدتها فقدت هاتفها الخلوي في مكان ما، طلبت من شقيقها اجراء الترتيبات اللازمة لبقاء الوالدين في مكان ما في المنطقة.

ولم يكن بوسعها عمل شئ الا اكمال الطريق بدونهم.

وعلى الجانب الآخر من الحدود، انتظر حنا بفارغ الصبر، ولم يعد قادرًا على الاتصال بأسرته لأنهم تركوا هاتف جانيت الخلوي مع والديها. وكان قد بقي طوال اليوم في رفح يوم الجمعة، لتخبره قوات الأمن أنه، ليس من الآمان عليه كقسيس ان يبقى هناك طوال الليل. فقد كانت شبه جزيرة سيناء تاريخياً معقلاً للخلايا السلفية الإسلامية المتطرفة السرية.

فاتجه حنا غربًا مسافة 30 ميلاً إلى العريش وعاد في صباح اليوم التالي.

وتواجد داخل المعبر الحدودي جمهور كبير وقدم حاملو جوازات السفر الأجنبية وثائقهم الواحد تلو الأخر. وانتظرهم العشرات من موظفي السفارة على الجانب الآخر استعدادا لاستقبالهم. وقال حنا إن جانيت والأطفال كانوا أول المصريين الذين خرجوا من المعبر، فسينودس النيل لاحق قضيتهم وضغط حتى النهاية.

وقالت جانيت: ”أخبرني أحد الأشخاص في المكتب: لقد اتصل بي الكثير من الأشخاص بشأنك ”. ”ولكن ماذا عن الآخرين الذين ليس لديهم من يساعدهم؟”

أثناء خروجهم، رأى حنا امرأة مع أطفالها وسط الحشد – لكنهم كانوا منهكين وشاحبين للغاية لدرجة أنه لم يتعرف على على أنهم أبناءه حتى أصبحوا على بعد حوالي 15 قدمًا. فصرخ بفرح امتزج بالدموع والعناق في كل مكان.

ولكن لم يزال هناك عمل يتعين عليه القيام به. وانضم حنا إلى خدمة لامتداد التي نظمها السينودس بالتعاون مع الحكومة للفلسطينيين من جنوب غزة الذين خرجوا عبر معبر رفح. فقام برفقة جانيت بتوزيع بعض البطانيات على أولئك القابعين وكانوا يرتعدون من البرد في أحد الملاجئ. لقد أثار ظهور حنا وجانيت المفاجأة افقه دلالات من النفور.

كيف تقبلين المساعدة من امرأة غير محجبة؟ سألت امرأة هناك صديقتها. وأصيب آخرون بالصدمة وترددوا في قبول المساعدة من المسيحيين، بعد أن ساووا بينها وبين تصرفات إسرائيل والولايات المتحدة.

وواصلت جانيت مسافة 90 ميلاً غربًا على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ووصلت أخيرًا لتحصل على قسط من الراحة مع عائلتها في منزل أخت حنا في الإسماعيلية، على بعد 30 ميلاً جنوبًا على طول قناة السويس. وهناك بكت وهي تفكر بالذين ما زالوا يلجئون في كنيسة القديس برفيريوس.

والآن وبعد وصولها اخيرًا الى بيتها في القاهرة، روت قصتها.

”ماذا عن أخي وأختي؟” سألت جانيت. ”كيف يمكنهم الخروج؟”

في البداية، كان لدى المسيحيين عزم كبير على الصمود وانتظار نهاية الحرب. وقالت جانيت إن شائعات انتشرت مفادها أن أسقف الروم الأرثوذكس أخبر الجيش الإسرائيلي أنه يرفض ان يكون هو من يفرغ غزة من المسيحيين. يذكر ان كنيسته الصغيرة الخاصة سميت على اسم قديس من القرن الرابع والذي بشر الوثنيين المحليين.

وكان هناك صوت واحد من ملجأ اللاتين يمكن اعتباره رمزًا.

اذ قالت ديانا ترزي: “اننا لا نقبل التهجير من بلدنا وأرضنا وكنائسنا”. ”لن أترك الكنيسة إلا إلى القبر”.

ولكن منذ حوالي أسبوعين، ومع بدء نفاد الغذاء والوقود، أصبح من الصعب تحمل الضغط النفسي، على حد قول جانيت. ومع تسرب الخبر إلى العالم أجمع، اقترح البعض أن تقوم إسرائيل بتسهيل انتقال المسيحيين إلى الضفة الغربية – حيث يتواجد أقارب للعديد من سكان غزة.

وقال مسعد: “حتى لو وافقت إسرائيل، فإن هذا من شأنه أن يسيئ لصورة المجتمع المسيحي أمام جيرانه المسلمين”. ”لكنني بدأت أغيّر رأيي.”

لقد اهتز صموده كفلسطيني من غزة بعد أن تحدث إلى شيوخ الكنيسة.

لكن الامر كان مختلفًا في الضفة الغربية اذ لم يختبر جاك سارة شئ مشابه.

اذ قال رئيس كلية بيت لحم للكتاب المقدس: “المسيحيون جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني”. و”لم يتعرضوا قط للتهديد كجماعة من قبل شعبهم، وأشك في أنهم يرغبون بتلقي معاملة خاصة”.

إن مغادرة للضفة من شأنه أن يكسر الثقة ويمس بالسلام المجتمعي والشهادة للإنجيل. وقال سارة إنه إذا كانت إسرائيل تريد فعلًا مساعدتهم، فليعيدوهم إلى منازلهم الأصلية قبيل تهجيرهم إلى غزة عام 1948، في مدن إسرائيلية مثل يافا والمجدل وبئر السبع.

وبدلاً من ذلك، فقد طلب الوزراء الإسرائيليون – ما قد تم رفضه كسياسة حكومية – أن تستقبل الدول العربية والغربية لاجئي غزة.

قارنت جانيت الوضع بالليلة التي قضاها دانيال في جب الأسود: الله يحميهم لكنه لم يزيل الأسود بعد. إنها تتفهم اشكالية تلقى المسيحيين معاملة خاصة، ومثلها اشكالية غزة دون مسيحيين.

وأضافت أن الناس يائسون. ان صلواتها هي أن تتوقف الحرب، وتقول إنه لا توجد إجابات سهلة لذلك أيضًا. لكنها صلت أيضًا من أجل أن تتمكن والدتها من الوصول إلى تركيا، وقد تم ذلك فعلًا أخيرًا عبر السفارة.

إذا لم تُقبل صلاتها من أجل السلام، فإنها تطلب من الله أن يسمح بمغادرة المسيحيين.

وقالت جانيت: ”إذا لم نموت بسبب القصف الإسرائيلي، فسوف نموت بسبب نقص الغذاء والدواء”. ”المسيحيون في غزة يريدون الخروج إلى أي مكان يجب أن يذهبوا إليه.”

ملاحظة المحرر: مجموعة مختارة من مقالات لتغطية الحرب بين إسرائيل وحماس متاحة الآن باللغة العربية ، من بين ثماني لغات أخرى.

Our Latest

News

مسيحيون مصريون يظهرون “محبة المسيح” للنازحين الفلسطينيين

News

المسيحيون العرب الإسرائيليون يبقون ويخدمون بينما تثير حرب غزة الجليل

مع نزوح عشرات الآلاف من الحدود الشمالية مع لبنان، يوازن المؤمنون بين هويتهم الفلسطينية والإسرائيلية سعياً لتحقيق السلام مع الجميع.

Apple PodcastsDown ArrowDown ArrowDown Arrowarrow_left_altLeft ArrowLeft ArrowRight ArrowRight ArrowRight Arrowarrow_up_altUp ArrowUp ArrowAvailable at Amazoncaret-downCloseCloseEmailEmailExpandExpandExternalExternalFacebookfacebook-squareGiftGiftGooglegoogleGoogle KeephamburgerInstagraminstagram-squareLinkLinklinkedin-squareListenListenListenChristianity TodayCT Creative Studio Logologo_orgMegaphoneMenuMenupausePinterestPlayPlayPocketPodcastRSSRSSSaveSaveSaveSearchSearchsearchSpotifyStitcherTelegramTable of ContentsTable of Contentstwitter-squareWhatsAppXYouTubeYouTube