حين وصل أسامة سواري الى احد مراكز توزيع المساعدات الجديدة في غزة حوالي الساعة الخامسة صباحًا من يوم الاحد، قابله بحسب كلامه، مشهد لن ينساه ابدًا. لقد تجمهر جمع في مدينة رفح الجنوبية لمدة ساعات، وكثير منهم على معدة خاوية بعد ان أدى الحظر الإسرائيلي الممتد لمدة 12 أسبوعًا الى نقص شديد من الطعام. واكتفى أولاده الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنتين و17 عامًا بتناول الخبز العربي والخس كغذاء لهم. مثل كثيرون في غزة، كانت بدأت تظهر في عائلته بأكمله علامات تدل على سوء التغذية.
بعض الناس لم تمتثل لتعليمات الجيش الإسرائيلي وحاولوا تخطي الدور، حسب اقواله. وعندها قام قنّاصة في مركبات ومسيّرات رباعية بإطلاق النار على الجمهور، حسبما قال سواري ، وهو مؤمن من خلفية إسلامية اتى للإيمان بالمسيح قبل عقد من الزمن (وافقت “المسيحية اليوم” عدم استعمال اسمه الحقيقي، لان معتنقي المسيحية يواجهون الخطر في غزة). بعض الاشخاص هربوا بينما سقط آخرون الى الأرض لكي يتجنبوا الإصابة من الرصاص الذي صوّب تجاههم. بقى سواري في مكان منخفض وغطى رأسه بيديه حتى توقف اطلاق النار بعد 40 دقيقة.
عندما بدأ التوزيع، شاهد أناسًا هائجين يقفزون فوق جثث من ماتوا جراء إطلاق النار، وسمع صراخ المصابين من الألم. كان لبعض المصابين الجرحى أقارب استطاعوا نقلهم للمستشفيات، ولكن لم يكن هناك من يساعد آخرين، حسبما لاحظ سواري . وفي يأسهم ولكي يأمنوا الطعام، لم يحاول أي كان إزاحة الجثث من الشوارع، بحسب كلامه.
“لن اعيد مثل هذه الزيارة ، ليس بسبب خوف وانما بسبب الدوس على الكرامة الإنسانية بالإقدام”، قال سواري.
وأفادت وزارة الصحة في غزة التي يديرها حماس ان 31 شخصُا ماتوا و170 أخر جرحوا. اما إسرائيل فادّعت انها “غير مطّلعة عن إصابات تسببت من اطلاق قوات جيش الدفاع الإسرائيلي للنار” في رفح.
ونشر الجيش الإسرائيلي فيديو لمسلح فلسطيني ملثم يرمي الحجارة ويطلق النار على الغزّيين ممن يطلبون المساعدات في خان يونس، وهي بلد تبعد 5 اميال عن رفح، وذلك يوم الاحد. “حماس هو منظمة إرهابية وحشية واجرامية تقوم بتجويع سكان غزة”، بحسب اقوال الجيش الإسرائيلي.
يوافق سواري مع وصف الجيش الإسرائيلي لحماس، واكد ادعاءات الإسرائيليين عن نهب حماس للمؤن. لكنه لا يوافق على رواية إسرائيل للإحداث في رفح. لقد رأى الموتى والجرحى وهو يؤمن ان إطلاق النار انبثق من المسيّرات الإسرائيلية ومن القنّاصة. لقد أصبح يعرف كيف يميّز الصوت الخاص لإطلاق نار المسيّرات، منذ سكنت عائلته في مدرسة تُستخدَم كملجأ، ورأى المسيّرات ومركبات القناّصة.
وكان سواري يعرف احدى اللواتي طلبن المساعدة ممن قتلوا – وهي معلمة اسمها مها قدح. “كانت مها مثالًا لمعلمة صبورة ونشيطة، لكنها راحت ضحية للجوع والظلم والقهر”، بحسب قوله.
ان المبادرة الامريكية المدعومة من إسرائيل هي محاولة لإعادة تزويد الغذاء الضروري والدواء الى غزة وبذات الوقت منع حماس من سرقة المساعدات. لقد خففت الأمم المتحدة من مدى سرقات حماس، وقاطعت الخطة، محذرة من النزوح والتلاعب الإسرائيلي بالمساعدات.
ان موقع التوزيع في رفح هو أحد اربعة المواقع في جنوب غزة الذي أقيم الأسبوع الماضي كجزء من الصندوق الإنساني في غزة ((GHF. ان المقاولين الأمنيين الامريكان هم الذين يراقبون توزيع الغذاء بينما يحمي الجيش الإسرائيلي المحيط.
ويدّعي الصندوق الإنساني في غزة (GHF) انها وزعت 4.7 مليون وجبة طعام في مواقع توزيع مختلفة خلال الأسبوع الماضي، وانكرت وجود أي احداث كبيرة. لكن جمعية “أطباء بدون حدود” تقول ان فرقها عالجت مصابين مع جروحات من طلقات نارية في مستشفى ناصر في خان يونس ممن شهدوا ان إسرائيل أطلقت نيران من مسيّرات وقنّاصة ومن مروحيات في رفح “من جميع الجهات”.
ويقول خليل صايغ وهو فلسطيني مسيحي ومحلل سياسي والذي عاش في غزة حتى 2009، ان كل من تحدث معهم اكد ان الجيش الإسرائيلي هاجم الذين انتظروا الحصول على الطعام
وكان موقع “تايمز اوف ازرايل” هو أحد المواقع الإخبارية التي نشرت تقارير عن الفوضى التي تعاني منها مواقع التوزيع الجديدة، واشتملت روايات شهود عيان عن إطلاق قوات الجيش الإسرائيلي للنار.
وأشار الريبورتاج عن “جماهير غفيرة من عشرات آلاف الناس التي اكتظت بها المواقع، احيانًا تكسر الحواجز لكي تصل الى علب الطعام التي يقولون انها تنفذ بسرعة”. يقول سواري ان آليات التوزيع لم تأخذ بالحسبان عدد الاشخاص الذين غزوا على المواقع ونقصان الطعام. لقد غادر العديد من الغزّيين وهم خاليي الوفاض.
رغم المخاطر في رفح، فان سواري نجح بالوصول الى مقدمة الدور، واخذ لبيته عشرة ارطال من العدس، 3 علب فاصوليا ورطلين من الطحين ورطل من الباستا. كما وجد قنافذ خارج خيمة عائلته فاضافهم الى عشاء يوم الاثنين- وهي بمثابة وليمة في مفاهيم حرب غزة.
بعد العشاء، ارتجت الأرض جراء قصف إسرائيلي قريب. لقد رأى دخانًا اسود رغم ان الشمس كانت قد غابت.” الرب يهتم بنا”، قال سواري. “اتأمل ان هذه الحرب والمعاناة ستنتهي قريبًا”.
تعليق المحرر: تمت حتلنة هذا التقرير لتوضيح رواية سواري للأحداث.