مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة نتيجة للأضرار الجانبية الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس، دعا 16 اتحادًا وروابط إنجيلية إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
لكن بيان الرثاء والتوبة والإدانة الذي أصدروه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني يهدف إلى ما هو أعمق من ذلك.
يقول البيان ”إننا ندعو الكنيسة وأهل الإيمان إلى زيادة وتكثيف العمل على صنع السلام العادل في المنطقة والذي يعزز العدالة التصالحية في المنطقة، والقيام بذلك مع إظهار التعاطف والتواضع”. ”لا يمكن تحقيق السلام إلا عندما يتم كسر دوائر العنف وتحرير الجناة والضحايا من رغبتهم الخاطئة في الانتقام.”
وقد تم التوقيع على البيان من قبل الاتحادات الإقليمية للاتحاد الإنجيلي العالمي (WEA) في كل من الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما وقّعت عليه هيئات تمثيلية من الجزائر ومصر وإثيوبيا والهند والعراق والأردن وكينيا وكردستان ونيبال وقطر وجنوب أفريقيا وتركيا وسريلانكا، فضلا عن اتحاد الناطقين بالعربية في أوروبا.
واعترافاً بفهمهم ”غير الكامل” للتعقيدات الجيوسياسية ومقاصد الله الأخروية، أعرب معدو البيان عن أسفهم للهدر المأساوي للأرواح، وتوبتهم لعدم دعمهم الكافي لصنع السلام، كما أدانوا المجتمع الدولي لفشله في ”ضمان احترام” القانون الإنساني الدولي.
لكن النداء المشترك، الذي نشرته الاتحادات التابعة لـلاتحاد الانجيلي العالمي في الهند وأمريكا اللاتينية ، كانت حتى أكثر وضوحًا في نقاط اتُهِمَت فيها البيانات المسيحية الأخرى حول الحرب بالتقصير.
وأدانت الاتحادات جميع أشكال اللا سامية، ودعت حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، ونددت بـ”أكبر عملية قتل لمدنيين يهود في يوم واحد منذ المحرقة”، ووصفتها بأنها “مؤسفة وخسيسة”.
ومع ذلك، فقد نص البيان أيضًا على أن ”إسرائيل، في مطاردتها لحماس قد تسببت في مقتل عدد اكبر من المدنيين”. ووضع البيان العنف في إطار الصراع ال”مستمر لعقود من الزمن”، وخلاله ”وبدون ضمان العدالة والمساواة والازدهار للجميع في البلاد المقدسة، لن تتمكن أي فئة من الشعوب من تحقيق الأمن”.
ويعتقد كثيرون أن تجاهل ذلك هي السبب وراء تقصير البيانات الأخرى.
ويقول فيجايش لال، الأمين العام للرابطة الإنجيلية في الهند، وهو عضو ميثاق في WEA: ”لقد انضممنا إلى هذه المبادرة للفت النظر إلى وجهات النظر المتنوعة داخل المجتمع الإنجيلي العالمي”. ”يأتي هذا في المقام الأول من أجل التوصل إلى فهم اشمل، وأيضًا لتعزيز السلام. اذ نحتاج لتقديم وجهات نظر متنوعة بخلاف تلك التي توصف عادة باسم ”الموقف الإنجيلي”.
ويقول الاتحاد الانجيلي في جنوب أفريقيا إنه لا يريد تكرار خطايا ماضيه.
فيقول موس نثلا، الأمين العام للاتحاد الإنجيلي لجنوب أفريقيا: ”في ذروة حكومة الفصل العنصري، كان الصوت الإنجيلي في العالم غائبًا إلى حد كبير، أو في أحسن الأحوال سعى إلى اتخاذ موقف محايد ازاء معاناتنا”. ”اننا نرى أن امرًا مماثلاً حدث في حرب إسرائيل على غزة”.
وسعى الاتحاد الانجيلي في كينيا إلى إدانة واضحة للأعمال الوحشية ضد المواطنين الإسرائيليين. كما أشار إلى ارتفاع عدد القتلى بين الفلسطينيين، وأكد أن حماس ”أتقنت” استخدام الدروع البشرية.
لكن رفاقهم الإنجيليين هم من بين الذين يعانون في غزة، كما أشار الاتحاد في مناشدة الجميع من أجل ”عقلية إنسانية”.
وقال نيلسون ماكاندا، الأمين العام للاتحاد الإنجيلي في كينيا: ”إننا نرفع صوتنا إلى المجتمع الدولي: لا تتجاهلوا محنة المدنيين المتألمين”. ” ان هذا واجبنا المسيحي.”
واضيف هذا البيان إلى موجة الدعوات الدولية الأخيرة لوقف القتال.
”وقف إطلاق النار، وقف إطلاق النار. أيها الإخوة والأخوات، توقفوا!” قال البابا فرنسيس. ” ما الحرب الا هزيمة، دائمًا.”
كما دعم مجلس الكنائس العالمي والكنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط وقف إطلاق النار. لكن الطائفة الأنجليكانية اختلفت داخليًا حول اسلوب اللغة الذي يتوجب استخدامه.
ففي أعقاب الوفيات الناجمة عن الغارة الجوية إلاسرائيلية بالقرب من كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية، انضم رئيس أساقفة كانتربري جوستين ويلبي إلى البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
واقتبس رؤساء الكنائس متى 25: 35 – كنت جائعًا فأعطيتموني طعامًا – واكدوا ضرورة تسليم الإمدادات الحيوية إلى وكالات الإغاثة، بما في ذلك وكالات الكنائس نفسها.
وجاء في البيان: “لن نتخلى عن ارساليتنا المسيحية بالرغم المطالبات العسكرية المستمرة لإخلاء مؤسساتنا الخيرية ودورالعبادة”.
لكن كنيسة ويلبي (الكنيسة الانجليكانية في إنجلترا) أصدرت بيانًا مختلفًا بعض الشيء.
واقتبس هذا البيان إشعياء 2: 4 -ولا يتعلمون الحرب فيما بعد– ,فأكد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس بينما دعت إلى ”هدنة” إنسانية فورية.
إن الدلالات مهمة في الدبلوماسية الدولية، وقد أدت صياغة كهذه إلى انقسام في الأمم المتحدة. فبعد الفشل أربع مرات في مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً – مرة بسبب حق النقض الذي استخدمته الولايات المتحدة، ومرة من روسيا والصين – وافقت الجمعية العامة على اضافة كلمة ثالثة في دعوتها غير الملزمة إلى ”هدنة إنسانية فورية ودائمة” وهكذا تم تمرير الاقتراح بأغلبية 120 صوتًا مقابل 14 صوتًا.
وكانت المملكة المتحدة من بين 45 دولة امتنعت عن التصويت. كما تم رفض التعديل الذي قدمته كندا لإدانة حماس. وصوتت الولايات المتحدة ضد القرار، وأيدت ”هدنة مؤقتة” لكنها قالت إن وقف إطلاق النار ليس مناسبا ”في هذا الوقت”.
اما إسرائيل، فانتقدت بشدة عدم إدانة حماس.
[وسأل] سفيرها في الامم المتحدة: ”لماذا تعتبر الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة… هي القضية الوحيدة التي تركزون عليها؟” سأل.
وأشار توني بيركينز، رئيس مجلس أبحاث الأسرة، إلى أن قرار الأمم المتحدة جاء في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تستعد لبدء حملتها البرية.
وقال إن ”غزو غزة يخلق رد فعل مضاد عنيف من المتعاطفين مع الفلسطينيين في الأمم المتحدة وفي جميع أنحاء العالم”.
اما مشروع فيلوس فذكر أن وقف إطلاق النار هو بحسب رأيه “الحل الخاطئ”.
وأضاف: “لا يمكن التفاوض على السلام مع طرف يرفضه من حيث المبدأ”، مستشهدًا بالمادة 13 من ميثاق حماس. “ستواصل حماس حلقاتها العنيفة المتمثلة في مهاجمة إسرائيل، وسترد إسرائيل دفاعا عن نفسها، وسيموت الفلسطينيون، وسيلقي العالم اللوم على إسرائيل. إن القضاء على حماس هو السبيل الوحيد نحو حل الدولتين، ووقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى إدامة سفك الدماء”.
واصلًا تعترف حماس بهذا.
اذ يقول غازي حمد، عضو المكتب السياسي لحماس، إن “طوفان الأقصى هو المرة الأولى فقط، وستكون هناك ثانية وثالثة ورابعة، فنحن نملك العزم والعزيمة والإمكانيات للقتال”. ويستمر حمد فيسأل:“هل سيتعين علينا أن ندفع الثمن؟” ويجيب: “نعم، ونحن مستعدون لدفعه“.
وانضم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الآخرين في اقتباس المرجع الكتابي.
”للحرب وقت وللصلح وقت. هذا وقت الحرب — حرب من أجل مستقبلنا المشترك،» في إشارة إلى سفر الجامعة ٣: ٨. ”لقد حان الوقت ليقرر كل شخص أين يقف.”
بالمقابل كانت الإشارة الكتابية المباشرة الوحيدة للبيان الإنجيلي المشترك هي إلى نبي ضال.
اذ جاء في البيان: ”إننا نطلب إرشاد الله بكل تواضع بينما نصلي من أجل الشرق الأوسط، حتى لا نصبح غير حساسين مثل يونان ولا منفصلين عن خطط الله لمصالحة جميع الناس لنفسه”.
وجاء الزخم من خارج العالم العربي – بقيادة اتحادات في جنوب أفريقيا وكينيا – كما يقول جاك سارة، الأمين العام للاتحاد الإنجيلي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال إن الاتحادات تريد ”تبرئة ساحتها وشهادتها” أمام الجمهور العالمي.
لكنهم أرادوا أيضًا دعمًا عالميًا.
وفي سعيها للحصول على اتفاق داخل الاتحاد الانجيلي العالمي، يقول سارة إن الدعم الرسمي للهيئة ككل توقف على موافقة الاتحاد الإسرائيلي.
وقالت جانيت إيب باكنجهام، مديرة المناصرة العالمية في الاتحاد الانجيلي العالمي ”لقد عمل الاتحاد الانجيلي العالمي مع اتحادات وطنية في المنطقة للتوصل إلى اتفاق بشأن بيان مشترك يتبع البيان الأولي الذي أصدرناه، ولكن ثبت أن ذلك يشكل تحديًا كبيرًا. ”
وقال داني كوب، الأمين العام للاتحاد الإنجيلي الإسرائيلي، بهذا الصدد إن هناك “الكثير مما يمكن الاتفاق عليه” في البيان. لكنه لم يقبل اضافة توقيعه عليه.
وعلل كوب ذلك: ”أوافق تمامًا على أننا مدعوون أولاً وقبل كل شيء إلى أن نكون صانعي سلام، وأن البيان المشترك من شأنه أن يبعث برسالة قوية”. لكن ماذا يقصد الموقعون على هذا البيان بـ«السلام»؟
واستشهد كوب بإرميا 6: 14 – _ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام._
وانتقد كوب البيان لثلاثة أسباب.
أولاً، لا يسمح لإسرائيل بالدفاع عن نفسها. ثانياً، يلوم إسرائيل على مقتل المدنيين الذين تستخدمهم حماس كدروع بشرية. وثالثا، يحمّل إسرائيل مسؤولية النسبة غير المتناسبة للضحايا والتي لا يمكنها تجنبها.
وأضاف أنه ليس لإسرائيل ”شيك مفتوح” للقتل. لكن من واجبها استخدام ”القوة العنيفة”. ويقول كوب انه لو أن المبادرة المشتركة للبيان الانجيلي تعاملت مع هذه النقاط، لكان على استعداد للمشاركة والتوقيع عليه.
وقال كوب: “إن البيان بصيغته الحالية معاكس للسعي لتحقيق السلام”. ”إنه بمثابة استسلام سلمي للقتل الجماعي، وبذلك هو ليس امرًا أخلاقيا ولا مسيحيًا.”
وبغض النظر عن كيف تفسر ذلك، فالخسائر في الأرواح آخذة في الارتفاع.
وذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين أن وقف إطلاق النار الإنساني الفوري أصبح الآن ”مسألة حياة أو موت”. اذ نزح ما يقرب من 1.5 مليون شخص، وتعطلت ثلث المستشفيات، وتوقفت آبار المياه ومحطات تحلية المياه في جنوب القطاع بشكل شبه كامل بسبب نقص الوقود. كما واتهم رئيس وكالة الغوث الدولية فيليب لازاريني إسرائيل بفرض ”عقاب جماعي” على مواطني غزة، مشيرًا إلى أن ”حفنة من القوافل” المسموح لها بالدخول لن تخفف احتياجات مليوني شخص.
وقد دعمت مطلب وقف إطلاق النار مجموعة من المنظمات الإنسانية مثل كاريتاس ، ومنظمة المعونة المسيحية ، واللجنة المركزية للمينونايت ، وأوكسفام . وتحث ومنظمة الرؤيا العالمية (وورلد فيجين) ”جميع الأطراف على ضمان تسليم المساعدات الأساسية بشكل عاجل”، في حين ذكرت مؤسسة "محفظة السامري" (Samaritan’s Purse) أنه ”ان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة في هذا الوقت غير ممكن”، ولكنها ”تقف على أهبة الاستعداد” لتقديم المساعدة وقد عرضت المساعدة على السلطات في إسرائيل.
ومع ذلك، ومهما كان حجم المساعدات الضرورية في كل من البلدين، فقد اختتم البيان المشترك للاتحادات الإنجيلية بلفت انتباه القراء إلى القضايا العالمية في أماكن أخرى. وذكّر البيان على وجه التحديد الصراع المسلح وعواقبه في السودان وأذربيجان وأرمينيا واليمن وأوكرانيا وروسيا وميانمار.
ودعى ايضًا إلى الصلاة من أجل “السلام والعدالة والشفاء والمصالحة”.
وقال لال: ”إن التصعيد العسكري وقصف المدنيين لا يمكن أن يسهلا جلب السلام أبداً”. ”يوجد سلام مقابر، ولكن هل هذا هو الاتجاه الذي نرغب السير فيه؟”
واضاف القائد الإنجيلي الهندي إن تحقيق السلام هو أمر صعب اصلا ولكنه أصعب للبعض بسبب قضايا تاريخية. لكن البيان المشترك يسعى إلى ”تجاوز” التركيز ببساطة على وجهات النظر الشرق أوسطية والغربية، ويسعى لفوارق دقيقة تتضمن الاعتبارات الثقافية والإقليمية.
ويجمل لال: ”لقد أظهر الإنجيليون من أفريقيا وآسيا أنهم يفهمون الصراع ويقدرون التفاعل بطريقة متعاطفة في السعي لتحقيق السلام”. ”أعتقد أن هذا ذو قيمة كبيرة.”
–