تصرّ السلطات الفرنسية على أن ”الإسلام في أزمة“.
تم قطع رأس مدرس في الشوارع. كما تم طعن ثلاثة مسيحيين في الكنيسة.
وفي جميع أنحاء العالم ، يحتج المسلمون على الرسوم الكاريكاتورية الدينية.
كان رد الفعل الفرنسي حازما.
قال الرئيس إيمانويل ماكرون عن صموئيل باتي، المعلم المقتول الذي استخدم رسوم تشارلي إبدو الكاريكاتورية الشهيرة لمحمد في مناقشة صفية حول حرية التعبير: ”سندافع عن الحرية التي علّمتَها جيدًا، وسنعلن بقوة عن مفهوم العلمانية
”لن نتبرأ من الرسوم، حتى لو ارتد الآخرون.”
وكان رد الفعل الرسمي سريعًا.
تم إغلاق مسجد نشر مقطع فيديو يعبّر عن الكراهية نحو باتي – قبل مقتله – لمدة ستة أشهر. تم حل جمعية خيرية إسلامية مرتبطة بالتطرف.
وفي الوقت نفسه، أشار استطلاع حديث للرأي أنّ 87 في المئة من الفرنسيين يعتقدون أن ”العلمانية في خطر”. ويعتقد 79٪ آخرون أن ”الإسلاموية أعلنت الحرب على الأمة والجمهورية”.
رد زعماء العالم الإسلامي بغضب على خطاب ماكرون.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعا لمقاطعة المنتجات الفرنسية. قال مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق ، إن للمسلمين الحق في ”معاقبة” الفرنسيين، و ”قتلهم” على فظائعهم الماضية.
وقاد أحمد الطيب، الإمام الأكبر للأزهر في مصر، مجلس حكماء المسلمين في أبو ظبي في دعوة لمقاضاة شارلي إيبدو. جددت الأزمة صرخة المسلمين من أجل قانون دولي يحظر تشويه صورة الرموز الإسلامية. وأراد آخرون توسيعه ليشمل الدين بشكل عام.
تحدثت CT مع ثمانية قادة مسيحيين في العالم العربي حول الجدل، بالإضافة إلى ممثل عن المجتمع الإنجيلي في فرنسا.
هذا الأخير – المحاصر أحيانًا في فرنسا – يقف إلى جانب ماكرون.
قال تييري لو غال من المجلس الوطني للإنجيليين في فرنسا (NCEF): ”الإنجيليون الفرنسيون، هم كالمسلمين المعتدلين، يدعمون السلطات في حربها ضد الإسلاموية”، مع ضمان الحفاظ على حرية الضمير والدين.
حملة ماكرون لها سياقها. بعد أن حددت منذ فترة طويلة الأحياء الإسلامية ”الانفصالية” في فرنسا على أنها أرض خصبة للتطرف، في الشهر الماضي [أكتوبر 2] أعلن الرئيس الفرنسي عن سلسلة من القوانين الجديدة.
لن يُسمح بعد الآن بالإتيان بالأئمة من الخارج، ولكن يتم تدريبهم محليًا بالشراكة مع المجلس الفرنسي الرسمي للعقيدة الإسلامية (FCMF). وبدءًا من سن الثالثة، يتم تعليم الأطفال في المدارس الفرنسية، للمساعدة في اندماجهم الوطني والاجتماعي.
دعم عميد المسجد الكبير في باريس مبادرة ماكرون، مشيرًا إلى أن الإسلاموية – تفسير سياسي للدين – تختلف عن الإسلام.
قال لو غال إن الإنجيليين الفرنسيين غالبًا ما يساء فهمهم من قبل المجتمع، ويهينهم تصوير تشارلي إبدو غير الموقر لعقيدتهم. لكن ثمّة ”اتفاق ضمني” في فرنسا للتسامح مع النقد الديني مقابل حرية التعبير للجميع.
الإنجيليون ببساطة ”يغضّون النظر”.
للأسف، لا يمثل المجلس الإسلامي الرسمي سوى أقلية من مسلمي فرنسا البالغ عددهم خمسة ملايين، حسب قول لو غال، مدير الخدمة الرعوية للمجلس الانجيلي إلى أعضاء البرلمان. وحث المزيد من المسلمين على العمل مع السلطات من أجل الصالح العام.
عوضَا من ذلك، تعاني فرنسا مما أسماه انقسامًا في وجهات النظر العالمية.
وقال إن ”حرية التعبير في أكثر أشكالها استفزازية” ، ”تتعرض للهجوم من قبل أكثر أتباع نبي الإسلام تطرفاً، الذين يحلمون بإقامة نظام ديني إسلامي في فرنسا”.
يردّد الزملاء المسيحيون من العالم العربي الموقف الإنجيلي الفرنسي.
قال حبيب مالك، ابن شارل مالك، المؤلف اللبناني المشارك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ”ينبغي وضع حدّ عندما تستخدم الحرية لتقويض الحرية”.
”أنا مع ماكرون بالكامل لاتخاذ أقسى الإجراءات”.
وافق مالك، وهو من الروم الكاثوليك، على أن الرسوم الكاريكاتورية هي ”استخدام فظّ وفاضح للفن”. لكنه يعتقد أنه لا ينبغي أن تكون هناك قيود على حرية التعبير، حتى مع ”تعرض يسوع وأمه للهجوم مليون مرة في اليوم”.
وقال إنه ”من غير المعقول” أن يخطط المسيحي للانتقام.
يعتقد مالك أن أوروبا قد أخطأت في افتراض أن الجاليات المسلمة المهاجرة المدفوعة بالاهتمام الاقتصادي ستتبنى أيضًا النظرة العالمية السائدة في أوروبا. على عكس المهاجرين المسيحيين من أصل إسباني في الولايات المتحدة، فإن الكثير من مسلمي أوروبا ”لا يفهمون معنى الحرية”.
يتبع رئيس أساقفة مصر الأنجليكاني منير أنيس نهجًا قانونيًا مختلفًا، حيث يدعم الأزهر في دعوته للمقاضاة. لكنه توصل إلى نتيجة دينية مماثلة.
وقال: ”حرية التعبير يجب أن تكون مضمونة للجميع، طالما أنها لا تستخدم للإساءة”. ”يسوع ضد إيذاء الآخرين.”
وقال إن أوروبا يجب أن تتوقع رد فعل عنيفًا على الاستهزاء بالرموز الدينية الثمينة. تروج رسوم تشارلي إيبدو الكرتونية للكراهية وتُحرّض على الإرهاب.
وكان أنيس قد دعا سابقًا إلى فرض حظر دولي على تشويه صورة الأديان، بما في ذلك المسيحية. إذا تمت صياغته من قبل الأمم المتحدة، فسيكون من ”المعقول” تجنُّب معضلات قوانين التجديف في بعض بلدان العالم الإسلامي.
ولكن متى وُجدت، لن يستخدمها رئيس الأساقفة.
اعتاد المسيحيون على النقد ويثقون ببساطة فيما يؤمنون به.
قال أنيس: ”نحن نختلف في إيماننا”، مشيرًا إلى أن يسوع دُعِيَ ”بعلزبول”.
”لا ينبغي أنْ نطلب من أصدقائنا المسلمين التصرف مثلنا”.
كما يؤيد زميله الأنجليكاني، رئيس أساقفة السودان حزقيال كوندو، قانون التجديف. لكنه يقدّر ذلك بالتزامن مع إلغاء دولة الشمال الإفريقية لقانونها ضد الردة.
قال كوندو: ”ينبغي أن أكون قادرًا على التحول من الإسلام إلى المسيحية إذا أردت ذلك، أو من المسيحية إلى الإسلام إذا أردت ذلك”.
”لكن لا يجب إهانتي”.
وأكّد لو غال أنه في فرنسا، إصرار كوندو على مطلبه هو موضع تقدير. في حين تم حظر قانون التجديف في عام 1881، فإن إهانة الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية يمكن أن يؤدي إلى السجن لمدة عام وغرامة قدرها 50000 دولار.
لكن عام 1881 شهد أيضًا عام ضمان حرية الصحافة. سخرت شارلي إيبدو من الإسلام كدين. لا يتوقع لو غال أن تنجح أي دعوى قضائية.
قال بطرس منصور، رئيس مؤتمر الكنائس الإنجيلية في إسرائيل، إنه يجب أن يكون هناك حظر دولي لمنعه.
وقال: ”حرية التعبير فوق كل الحقوق الأخرى ، ولها قيمة شبه مطلقة”.
”لكن قيمة الحياة أعلى.”
يعكس الإرهاب الذي ينبثق من مجتمعات المهاجرين في أوروبا ما اختبره الشرق الأوسط على مدى طويل. عندما استخدم الغربيون حريتهم لمهاجمة الإسلام في العصور السابقة، وجه المسلمون غضبهم تجاه المسيحيين العرب المحليين.
قال منصور: ”من الأفضل أن تكون حكيماً وحذراً من أن تكون على صواب”. ”مارس ضبط النفس، للعيش معا باحترام.”
مالك لا يوافق على التهدئة.
وقال إن دعم العرب المسيحيين للمسلمين الغاضبين، وإن كان يستحق الثناء من جهة، ينبع من الشعور الموروث بالذمة. خلال قرون من الحكم الإسلامي، قبل الذمي المسيحي مكانة من الدرجة الثانية ودفع ضريبة خاصة ليكون مجتمعًا محميًا.
رفضت بعض المصادر المسيحية في المنطقة إجراء المقابلات، مشيرة إلى ”حساسية” القضية.
لكن أنيس رفض هذا الاتهام، مقدراً مجلس حكماء المسلمين على إدانته لقتل باتي. بدعوتهم إلى ضبط النفس، فإنهم يسعون إلى رد قانوني سلمي.
وأشار إلى أن الطيب لم يؤيد المقاطعة.
قال مارتان عقاد، كبير المسؤولين الأكاديميين في كلّيّة اللاهوت المعمدانية العربية في بيروت، من ”الهراء” اتهام المسيحيين الذين يساندون المسلمين بالذمّيين.
لكنه يقف مع مالك – والعديد من الأصدقاء المسلمين – في وصف غضب المسلمين الحالي بأنه ”صبياني”.
قال إن المسيحيين يترعرعون على سماع كلمات قاسية ضد عقيدتهم كل جمعة من المسجد. كان رد فعله الأول على مقتل باتي هو تَذَكُّره استخدامه المتكرر للرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد – مع الاعتذار عن إهانتهم – عند تدريس العلاقات المسيحية الإسلامية.
عقاد ليس خائفًا. لكن الكثيرين نسوا الضحية الحقيقية.
قال عقاد: ”إن الأمر أشبه بإدانة المرأة التي تعرضت للاغتصاب، بالقول إنه ما كان ينبغي لها ارتداء تنورة قصيرة”.
”إن سلوك هذه البلدان أمر مُسْتَهجن”.
وقال إن النقد – وحتى الإهانة – يُوَلِّد النضج لدى المؤمن. الرد المناسب هو الحوار.
قال عقاد: ”على المسلم أن يفهم أن حرية التعبير مقدسة لدى الفرنسيين”.
”حساسية المسلمين تجاه الإلهية تعادل ثقافيًا الاعتقاد الفرنسي بأن لديهم الحق في قول ما يريدون”.
قال عماد شحادة، رئيس كليّة اللاهوت الإنجيلية الأردنية، إنّ النتيجة هي فقدان المصداقية.
بينما يجب أن يكون هناك مساحة للنقد المحترم، فإن السخرية ليست موضع ترحيب أبدًا. ولكن بما أن كلا من ”المساحة” و ”السخرية” من الصعب تعريفهما – والتشريع – هناك حاجة إلى نماذج جذّابة.
أعلن تيري أسكوت SAT-7 كمثال.
أسس شبكة الأقمار الصناعية المسيحية باللغة العربية في عام 1995، وأدرك أن الإنجيل يمكنه الآن تجاوز الوسائل التقليدية للرقابة في الشرق الأوسط. ولكن عوضَا عن استخدام هذا الترخيص لمهاجمة الأديان الأخرى، عزز مذيعوه المسيحيون علاقات طويلة الأمد مع مشاهديهم وفازوا بالحق في تقديم إيمانهم.
قال أسكوت: ”إن حرية الإعلام سلعة ثمينة وينبغي حمايتها بشدّة، لتكون بمثابة ملح ونور، وتسعى دائمًا إلى الخير الأكبر”.
ويقول سليم منير، مدير خدمة المصالحة الإنجيلية في القدس، إن أوروبا ليست بريئة من الذنب. لقد أضر التاريخ الاستعماري لدى فرنسا وسياساتها الحالية بسمعتها في الشرق الأوسط.
وحتى في الغرب، فإنّ حرية التعبير ليست مطلقة. تخضع للقانون بعض المحرمات المتعلقة بالهوية الجنسية، والكاريكاتور العنصري، ومعاداة السامية التي يمكن أن تشمل أحيانًا انتقاد إسرائيل.
وقال إنه بينما ينبغي الدفاع عن حرية التعبير في جميع أنحاء العالم، يستخدم البعض الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد لوصم المسلمين وقمعهم.
ولكن حتّى عند عدم وعي الغرب للأمر، إنّه يفرض جدول أعمال.
قال منيّر: ”العلمانية ليست محايدة ومرحِّبة”، مشيرًا إلى أصولها المسيحية في العالم. ”إنّ ذلك يمليه فهم ضيق للدين ومكانته في المجتمع.”
وقال لوغال إن البعض في فرنسا يروّج بقوة لهذه الرؤية.
ثمّة إغراء كبير ”لضرب المسلمين بشدة” في موسم الانتخابات الرئاسية. أدت الأحداث الأخيرة إلى زيادة انعدام الثقة القائم.
لكنه قال إنه منذ الثورة الفرنسية، ثمّة أقلّيّة تسعى إلى تحييد التعبير عن الدين في الساحات العامة. بالنسبة لهم، الإيمان جيّد – إذا كان شأنًا خاصًّا.
وقال إن الخطر الحقيقي يكمن في أن الحرب ضد الإسلام الراديكالي ستحد من الحرية الدينية للجميع.
في الماضي، كانت فرنسا مترددة في استهداف المسلمين وحدهم. وهكذا، يشعر الإنجيليون أحيانًا بأنهم قد تم التضحية بهم على مذبح ”المساواة”.
لذا، إلى جانب إشراك البرلمان، يتعاون البعض مع المسلمين. لمعالجة الاحتياجات المحلية من أجل التخفيف من حدة الفقر، يحاولون أيضًا تقليل التوترات المجتمعية.
الإنجيليون الفرنسيون يفهمون وصمة العار.
لكن على غرار ماكرون، فهُم متمسّكون بمبادئهم.
قال لوغال: ”نحن نتعاطف مع الضحايا الكاثوليك ونتعاطف مع المسلمين المعتدلين المرتبطين عن غير قصد بهذه الجرائم.
”لكن ينبغي الدفاع دائمًا عن قيم الجمهورية – والعلمانية -”.
شارك في التغطية مورجان لي وجيريمي ويبر