جوناثان بيكس قلق على جيرانه الفلسطينيين البدو في جبال جنوب الخليل في الضفة الغربية.
انهم رعاة غنم يعيشون في مغارة واسعة مجهزة بكهرباء شمسية على بعد عشرة دقائق من بيت بيكس. لقد شهدت المنطقة ارتفاعًا في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين منذ هجومات حماس في تشرين اول 2023 ، والعائلة الفلسطينية تخشى ان تكون الآتية في الدور في لائحة الأماكن التي ينوي المستوطنون ضربها، حيث انه كانت لهم عدة نزاعات مع جيرانهم حول حقوق المرعى.
لذلك حزم بيكس، وهو إسرائيلي يهودي مسيحي، شنطة صغيرة وساق سيارته من بيته قرب حدود الضفة الغربية الى ممتلكات عائلة أبو شحادة للمبيت هناك كل الليل في احدى ليالي آخر آذار. وكان صديق له قد قدم له دعوة، انضم بيكس بعدها الى مجموعة حراسة ليلية محلية مكونة من حتى عدة عشرات من الإسرائيليين الذين يناوبون لكي يدعموا فلسطينيين محليين قلقون جراء عنف المستوطنين المتطرفين.
بعد تناول عشاء بسيط من الأرز وحليب الماعز والبندورة المقسمة والخبز مع زيت الزيتون ، يضع بيكس فرشة النوم والبطانية التي زودته بها النساء البدويات، وانضم بذلك الى مجموعتي “حراس ليليين” إسرائيليين آخرين في موقع استراتيجي خارج المغارة.
“سأفعل كل ما في وسعي لكي ادعمهم” يقول بيكس. “من المؤكد ان ليسوع قلب لهؤلاء الناس”.
يقول بيكس ان الهجومات تحدث احيانًا في الليل. خلال ليالي الحراسة السابقة في بيوت البدو، وهم جماعة نصف رحّالة ينحدرون اصلًا من النقب، فقد تقابل مع بعض الشباب الذين تسللوا لأرضهم، لكي يقطعوا مواسير الماء ويخربوا الالواح الشمسية. ان المستوطنين يستوعبون شبابًا ذوي خلفيات صعبة، ويرسلونهم بهدف ممارسة الإرهاب ضد جيرانهم الفلسطينيين.
احيانًا تكون الهجومات أسوأ من مجرد الضرر للممتلكات.
في نهاية آذار، اعتدى العشرات من المستوطنين المتطرفين على مجموعة من الفلسطينيين في قرية جنبة الموجودة ايضًا في جبال جنوب الخليل. واحتاج ثلاثة من الضحايا للعلاج الطبي وبضمنهم شاب فلسطيني عمره 16 عامًا أصيب بإصابة بالغة في رأسه. واعتقلت السلطات المحلية أكثر من 20 فلسطينيًا، لكن لم تعتقل أي من المستوطنين بعد الهجوم. ويشير بيكس ان ذلك نمط شائع.
واشترك اكثر من مئة مستوطن ملثم في آب الفائت في هجوم قاموا خلاله بحرق البيوت والسيارات في جت وهي مدينة في شمال الضفة الغربية، وقتلوا رجل فلسطيني. وندد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالهجوم ولكنه فعل القليل لتقليص عنف المستوطنين وليوقف توسيع المستوطنات غير القانونية. وتدّعي مجموعات حقوق الانسان الإسرائيلية ان ادانات المستوطنين في المحاكم نادرة.
يعيش حوالي نصف مليون مستوطن- إسرائيليون ينقسمون بشكل متساوي بين أصحاب ايمان متدينين متشددين وعلمانيين وقوميين متدينين- بين ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية. بعدما احتلت إسرائيل الضفة الغربية من الأردن خلال حرب عام،1967 فقد شرعت في بناء التجمعات الإسرائيلية في بين السكان الفلسطينيين، وهي مبادرة كبرت وتسارعت كلما مرّ الوقت.
وتعتبر محكمة العدل الدولية كل المستوطنات في الضفة الغربية بانها غير قانونية، لكن إسرائيل تعتبر ان المستوطنات ال-141 المحظورة حكوميًا هي ضرورية للأمن القومي الإسرائيلي وقانونية حيث انها مبنية على “ارض تم شرائها بشكل شرعي والتي لم تمتلكها سلطة سيادة قانونية سابقة، كما كانت مخصصة لتكون جزء من الدولة اليهودية تحت انتداب عصبة الأمم”، بحسب ما تقوله وزارة الخارجية الإسرائيلية. اغلب الإسرائيليين الذين ينتقلون الى المستوطنات يؤمنون ان لإسرائيل مطلب تاريخي وديني على المنطقة.


اكثر من 200 من مواقع المستوطنين، تعتبر غير قانونية حتى بحسب القانون الإسرائيلي. بعض المستوطنين من اليمين المتطرف يلبسون زي عسكري جزئي، ويتصرفون كأنهم سلطات حاكمة ويرتكبون اعمال عنف.
بعض المستوطنين المتطرفين يريدون منع إقامة دولة فلسطينية مستقبلية في المنطقة، لذلك يتجهون للعنف والتهديدات لكي يخيفوا الفلسطينيين ولكي يستولوا على ارضهم. منذ ان بدأت الحرب، قام مستوطنون نظاميون بدوريات متزايدة على بعد من مستوطناتهم وهاجموا الفلسطينيين. وقد احصت الأمم المتحدة أكثر من 1800 هجوم لمستوطنين بين تشرين اول 2023 وحتى بداية هذا العام.
وقد فرضت الحكومة الامريكية برئاسة بايدن في شباط 2024 عقوبات على مستوطنين ممن اتهموا بالعنف او بتخريب الممتلكات (العقوبات فرضت ايضًا على الفلسطينيين الذين يلحقون الاضرار بجيرانهم). الغت حكومة ترامب هذه العقوبات في كانون ثاني.
لقد فعل “[المستوطنون المتطرفون] أمور سيئة عديدة باسم الجيش وباستخدام معدات الجيش”، يقول نوعم اورن وهو مزارع يهودي إسرائيلي يعيش خارج الضفة الغربية. هو ايضًا منتمي لمجموعة الحراسة الليلية، واحيانًا يستدعيه الفلسطينيون خلال النهار ويعلمونه بالمشاكل.
قبل حوالي عام، اتصل به فلسطيني بدوي بعدما احضر المستوطنون قطيعًا من الغنم الى ممتلكاته لكي يأكلوا من كومة الشعير خاصته على بعد 50 ياردة من بيته. قال اورن ان المستوطنين يجعلون غنمهم تشرب حتى من خزانات مياه المطر التي يمتلكها البدو، واحيانًا يفسدون المياه بواسطة إضافة زيت عليها.
استدعى اورن الشرطة وقاد سيارته الى بيت صديقه لكي يواجه المستوطنين- وهو قرار يعترف هو الآن انه لربما لم يكن حكيمًا. حين تقدم اورن للرجال لكي يواجههم، رأى أحدهم يرمي حجرًا باتجاهه، بينما أطلق آخر النار من بندقيته في الهواء. تصدى اورن للرجل الذي رمى الحجر عليه وطرحه على الأرض حتى وضع الرجل الآخر بندقيته جانبًا.
حين أطلق اورن سراح المستوطن، بدأ المستوطن برمي الأحجار مجددًا بينما اجرى الرجل الآخر اتصالًا هاتفيًا. بعد خمسة دقائق وصل 20 مستوطنًا نظاميًا آخر الى المكان، وتصدّوا له. اخيرًا وصل ضابط الشرطة وأجرى تحقيقًا مع جميع الأطراف المعنية.

وكشف اورن جراحه للضابط إضافة لدليل فيلم الفيديو من هاتفه، وبرهن له ان المستوطن هو من ابتدأ المشاجرة ولكنه علم بعدها بعدة أسابيع ان الضابط استمر في وقوفه مع المستوطنين في التقرير الذي قدمه. “هكذا تجري الأمور هنا”، يقول اورين.
قدم اورن شكوى منفصلة في مدينة الخليل في الضفة الغربية وقضيته ما زالت عالقة. وقدم المستوطن شكوى ضد اورين لكن لاحقًا سحبها بعدما قدم اورن ادلته للسلطات الإقليمية.
يقول بيكس ان استفزاز المستوطنون للفلسطينيين هو امر شائع، وحين يفقد الفلسطينيون صبرهم ويردّون، فان المستوطن يطلق على ذلك الشخص لقب “الإرهابي” ويقدم شكوى قانونية. “عادة يتعلق الامر براعي غنم فلسطيني فقير”، حسب قوله. لقد أضاف عدد كبير من الفلسطينيين كاميرات مراقبة في ممتلكاتهم، لكي تكون لهم فرصة لإثبات براءتهم.
وبيكس قلق ان كثير من أصدقائه الإسرائيليين، وحتى هؤلاء الذين يحملون افكارًا تميل الى اليسار، لم يعد لديهم أي شعور بالرحمة تجاه العرب منذ هجومات حماس. لكنه يؤمن ان التصعيد الحالي في العنف قد رفع الوعي حول انعدام العدل في أجزاء من الضفة الغربية. وهو يدرس إمكانية تنظيم جولات في جبال جنوب الخليل، حتى تكون فرصة للإسرائيليين الذين يخشون زيارة هذه المناطق وحدهم، ان يلتقوا مع السكان البدو الذين يعانون من هذه الهجومات.
” من المحزن ان كثير من المسيحيين يدعمون إسرائيل بكل ثمن”، يقول بيكس. وهو يشير الى كلمات يسوع في التطويبات “طوبى للودعاء”، ويعتبرها مرشدًا لكيفية وجوب تفاعل المسيحيين مع المجموعات السكانية المتألمة.
لم ينم بيكس كثيرًا خلال دوريته الليلية في ممتلكات أبو شحادة- فالكلاب والدجاج والغنم كانت مضجة- لكنه ممتن انه تواجد هناك. فلقد بقي المستوطنون بعيدًا، وهو يأمل ان التواجد الروتيني للمجموعة هناك سيشكل رادعًا لهم. في الصباح، قدمت له العائلة بيض طازج والجبن والخبز.
“لقد كانت تجربة مميزة بشكل”، يقول بيكس. “انهم اشخاص طيبون وبسطاء الذين يعيشون دون مياه الجارية، وكل هذا فعلًا يكسر قلبي”.